.................................................................................................
______________________________________________________
ـ وقال في المستمسك : «ولا دليل لهم ظاهرا عليه ، إذ الثابت بالإجماع كون الوضوء عبادة ، ومن المعلوم من بناء العقلاء أنه يكفي في تحقق العبادة كون الفعل اختياريا صادرا عن إرادة الفاعل بداعي تعلق الأمر به» ، ولأنه لو كانت إخطارية لوجب أن تبقى في الذهن إلى آخر العمل مع أنهم لا يلتزمون بذلك وإنما يشترطون بقاءها حكما بمعنى أن لا يعرض عنها.
وذهب جماعة وهو المشهور بين المتأخرين إلى كون النية هي الداعي إلى الفعل ، والداعي موجود في القلب لا في الذهن بحسب الوجدان. ولقد أجاد صاحب الجواهر عند ما تكلم عن آثار الإخطارية بقوله : «فلا يكتفي بدون الإخطار بالبال للقصد مع ما يعتبر معه من القربة والوجه وغيرهما مقارنا لأول العمل ، فبسببه يحصل بعض أحوال لهم تشبه أحوال المجانين ، وليت شعري أليست النية في الوضوء والصلاة وغيرهما من العبادات كغيرها من سائر أفعال المكلفين من قيامهم وقعودهم وأكلهم وشربهم ، فإن كل عاقل غير غافل ولا ذاهل لا يصدر عنه فعل من هذه الأفعال إلا مع قصد ونية سابقة عليه ناشئة من تصور ما يترتب عليه من الأغراض الباعثة والأسباب الحاملة على ذلك الفعل ، بل هو أمر طبيعي وخلق جبلي ، ومع هذا لا ترى المكلف في حال إرادة فعل من هذه الأفعال يعتريه شيء من تلك الوسوسة وذلك الإشكال ، بل هو بالنسبة إلى العبادات الأخر من الزيارات والصدقات وعيادة المرضى وقضاء الحوائج والأدعية والأذكار وقراءة القرآن ونحو ذلك لا يعتريه شيء من تلك الأحوال ، بل هو فيها على حسب سائر أفعال العقلاء ، فما أعرف ما ذا يعتريه في مثل الوضوء».
الجهة الثالثة : قد عرفت أن النية هي الإرادة مع قصد التقرب وتقدم معنى الإرادة ، أما قصد التقرب فهو الإتيان بالفعل تحصيلا للقرب إلى الله تعالى الذي هو ضد البعد تشبيها بالقرب المكاني ، وقصد التقرب بهذا المعنى يتحقق بقصد امتثال الأمر ، ويتحقق بقصد إتيان الفعل لكونه محبوبا عند الله (جل جلاله).
وقصد الامتثال والمحبوبية المحقق لقصد التقرب تارة يكون لأن الله أهل للطاعة وأخرى يكون لأجل تحصيل الثواب الأخروي وثالثة لأجل الفرار من العذاب الأبدي ، وهو على نحو الداعي في الداعي ، والأول أعلاها لما ورد عن أمير المؤمنين عليهالسلام : (ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك) (١) ـ
__________________
(١) الوافي الباب ـ ١٨ ـ من أبواب جنود الإيمان من الفصل الرابع.