الأئمة ، ونبّه على اختصاصهم عليهالسلام بهذا الاسم بقوله : (الذين حفظوا ما حمله) ـ بالتخفيف ـ من أحكام الدين ، (وعقلوا عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ما عن جبريل عقله) ، ولا يتوهم مساواتهم له بذلك في الفضيلة ، لاختصاصه صلىاللهعليهوآلهوسلم عنهم بمزايا أخر تصير بها نسبتهم إليه كنسبة غيرهم عليهالسلام من الرعية إليهم ، لأنهم عليهالسلام في وقته صلىاللهعليهوآلهوسلم من جملة رعيته.
ثم نبّه على ما أوجب فضيلتهم ، وتخصيصهم بالذكر بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله : (حتى قرن) الظاهر عود الضمير المستكن إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنه قرن(بينهم وبين محكم الكتاب) في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي» (١) الحديث.
ويمكن عوده إلى الله تعالى ، لأن إخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك مستند إلى الوحي الإلهي ، لأنه (مٰا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوىٰ إِنْ هُوَ إِلّٰا وَحْيٌ يُوحىٰ) (٢) ، وهو الظاهر من قوله : (وجعلهم قدوة لأولي الألباب) فإن الجاعل ذلك هو الله تعالى ، مع جواز أن يراد به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أيضا ، و «الألباب» العقول ، وخصّ ذويهم لأنهم المنتفعون بالعبر ، المقتفون لسديد الأثر(صلاة دائمة بدوام الأحقاب) جمع «حقب» بضم الحاء والقاف ، وهو الدهر ، ومنه قوله تعالى : (أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) (٣) أي دائمة بدوام الدهور. وأما «الحقب» بضم الحاء وسكون القاف ـ وهو ثمانون سنة ـ فجمعه «حقاب» بالكسر ، مثل قفّ وقفاف نص عليه الجوهري.
(أما بعد) الحمد والصلاة ، و «أما» كلمة فيها معنى الشرط ، ولهذا كانت الفاء لازمة في جوابها ، والتقدير «مهما يكن من شيء بعد الحمد والصلاة فهو كذا» فوقعت كلمة «أما» موقع اسم هو المبتدأ ، وفعل هو الشرط ، وتضمنت معناهما (٤) فلزمها لصوق الاسم اللازم للمبتدإ للأول إبقاء له بحسب الإمكان ،
______________________________________________________
(١) حديث الثقلين متواتر بين الفريقين راجع هامش إحقاق الحق ج ٩ ص ٣١٠ ، فقد ذكر الكثير من روايات العامة.
(٢) آل عمران الآية : ٥٣.
(٣) الكهف الآية : ٦١.
(٤) معنى الابتداء والشرطية.