لا يجوز مخالفتها للقرآن كما تقدم بيانه ثمة ، وما عليه العامة فهو خلاف الحنيفية ، لما استفاض من انهم ليسوا من الحنيفية على شيء ، وانه لم يبق في أيديهم إلا استقبال القبلة وانهم ليسوا الا مثل الجدر المنصوبة ، ونحو ذلك مما تقدم ذكره ثمة أيضا ، وحينئذ فنقول فيما نحن فيه ان إطلاق الآية مخصوص بالأخبار الدالة على وجوب الغسل ، وقد حققنا في المقدمة المشار إليها آنفا انه لا منافاة بين المطلق والمقيد ولا بين العام والخاص حتى يتجه الترجيح بالآية في هذا المقام.
ثم ان وجوب الغسل للصوم على القول به هل يختص بما إذا بقي من الليل مقدار ما يغتسل خاصة ، فعلى هذا لا يكون الصوم غاية للغسل الا مع تضيق الليل بحيث لا يبقى منه الا قدر فعله علما أو ظنا ، فلو أوقعه المكلف قبل ذلك لم يكن الصوم غاية له لعدم المخاطبة به حينئذ ، أو يجوز إيقاعه بنية الوجوب من أول الليل وان قيل بوجوبه لغيره؟ قولان ، وظاهر الأكثر الأول ونقل السيد السند في المدارك عن بعض مشايخه ـ والظاهر انه المولى الأردبيلي (قدسسره) ـ الثاني ، الا انه في المدارك تأوله بالحمل على الوجوب الشرطي زاعما انتفاء الوجوب بالمعنى المصطلح عليه قطعا على هذا التقدير ، ويظهر من كلام شيخنا البهائي (عطر الله مرقده) في كتاب الحبل المتين ان الوجوب هنا على تقدير القول به هو الوجوب المصطلح ، حيث قال ـ في جواب استدلال القائلين بوجوب الغسل لنفسه بأنه لو لم يجب لنفسه لم يجب قبل الفجر للصوم لعدم وجوب المغيا قبل وجوب الغاية ـ ما لفظه : «واما وجوب غسل الجنابة قبل الفجر للصوم فلوجوب توطين النفس على ادراك الفجر طاهرا والغاية واجبة» انتهى.
أقول : والأظهر في بيان الوجوب هنا ان يقال انه لا شك ان الغسل مما يتوقف عليه الصوم الواجب ولا يتم الا به ، وقد تقرر في الأصول ان ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب ، كما قالوا ان قطع المسافة واجب للحج مع انه لا يقع الا قبل الحج ، وبالجملة فإنه إذا علم أو ظن وجوب الغاية في وقتها فإنه لا مانع من وجوب المقدمة وان لم تجب