غرض واحد ووقت مختلف وسيجيء بيان الموصى به.
والوهن ـ بسكون الهاء ـ مصدر وهن يهن من باب ضرب. ويقال : وهن ـ بفتح الهاء ـ على أنه مصدر وهن يوهن كوجل يوجل. وهو الضعف وقلة الطاقة على تحمل شيء. وانتصب (وَهْناً) على الحال من (أُمُّهُ) مبالغة في ضعفها حتى كأنها نفس الوهن ، أي واهنة في حمله ، و (عَلى وَهْنٍ) صفة ل (وَهْناً) أي وهنا واقعا على وهن ، كما يقال : رجع عودا على بدء ، إذا استأنف عملا فرغ منه فرجع إليه ، أي : بعد بدء ، أو (عَلى) بمعنى (مع) كما في قول الأحوص :
إني على ما قد علمت محسّد |
|
أنمي على البغضاء والشنآن |
فإن حمل المرأة يقارنه التعب من ثقل الجنين في البطن ، والضعف من انعكاس دمها إلى تغذية الجنين ، ولا يزال ذلك الضعف يتزايد بامتداد زمن الحمل فلا جرم أنه وهن على وهن.
وجملة (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ) في موضع التعليل للوصاية بالوالدين قصدا لتأكيد تلك الوصاية لأن تعليل الحكم يفيده تأكيدا ، ولأن في مضمون هذه الجملة ما يثير الباعث في نفس الولد على أن يبرّ بأمه ويستتبع البرّ بأبيه. وإنما وقع تعليل الوصاية بالوالدين بذكر أحوال خاصة بأحدهما وهي الأم اكتفاء بأن تلك الحالة تقتضي الوصاية بالأب أيضا للقياس فإن الأب يلاقي مشاقّ وتعبا في القيام على الأم لتتمكن من الشغل بالطفل في مدة حضانته ثم هو يتولى تربيته والذبّ عنه حتى يبلغ أشدّه ويستغني عن الإسعاف كما قال تعالى (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) [الإسراء : ٢٤] ، فجمعهما في التربية في حال الصغر مما يرجع إلى حفظه وإكمال نشأته ، فلما ذكرت هنا الحالة التي تقتضي البر بالأم من الحمل والإرضاع كانت منبهة إلى ما للأب من حالة تقتضي البرّ به على حساب ما تقتضيه تلك العلة في كليهما قوة وضعفا. ولا يقدح في القياس التفاوت بين المقيس والمقيس عليه في قوة الوصف الموجب للإلحاق. وقد نبّه على هذا القياس تشريكهما في التحكم عقب ذلك بقوله (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) وقوله (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً). وحصل من هذا النظم البديع قضاء حق الإيجاز.
وأمّا رجحان الأم في هذا الباب عند التعارض في مقتضيات البرور تعارضا لا يمكن معه الجمع فقال ابن عطية في «تفسيره» : شرك الله في هذه الآية الأم والأب في رتبة الوصية بهما ثم خصص الأم بذكر درجة الحمل ودرجة الرضاع فتحصل للأم ثلاث مراتب