أبلغ من موقع (من) التبعيضية في قول سبرة بن عمرو الفقعسي :
ونشرب في أثمانها ونقامر
لأنه يصدق بأن يستغرق الشراب والمقامرة كامل أثمان إبله. وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى (وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ) في سورة النساء [٥]. وقد حمله علي بن أبي طالب أو ابن عباس على هذا المعنى فأخذ منه أن أقل مدة الحمل ستة أشهر جمعا بين هذه الآية وآية سورة الأحقاف كما سيأتي هنالك.
وجملة (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) تفسير لفعل (وَصَّيْنَا). و (أَنِ) تفسيرية ، وإنما فسرت الوصية بالوالدين بما فيه الأمر بشكر الله مع شكرهما على وجه الإدماج تمهيدا لقوله (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي) إلخ.
وجملة (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) استئناف للوعظ والتحذير من مخالفة ما أوصى الله به من الشكر له. وتعريف (الْمَصِيرُ) تعريف الجنس ، أي مصير الناس كلهم. ولك أن تجعل أل عوضا عن المضاف إليه. وتقديم المجرور للحصر ، أي ليس للأصنام مصير في شفاعة ولا غيرها. وتقدم الكلام على نظير قوله (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي) إلى (فَلا تُطِعْهُما) في سورة العنكبوت [٨] ، سوى أنه قال هنا (عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي) وقال في سورة العنكبوت (لِتُشْرِكَ بِي) فأما حرف (عَلى) فهو أدلّ على تمكن المجاهدة ، أي مجاهدة قوية للإشراك ، والمجاهدة : شدة السعي والإلحاح. والمعنى : إن ألحّا وبالغا في دعوتك إلى الإشراك بي فلا تطعهما. وهذا تأكيد للنهي عن الإصغاء إليهما إذا دعوا إلى الإشراك. وأما آية العنكبوت فجيء فيها بلام العلة لظهور أن سعدا كان غنيا عن تأكيد النهي عن طاعة أمه لقوة إيمانه.
وقال القرطبي : إن امرأة لقمان وابنه كانا مشركين فلم يزل لقمان يعظهما حتى آمنا ، وبه يزيد ذكر مجاهدة الوالدين على الشرك اتضاحا.
والمصاحبة : المعاشرة. ومنه حديث معاوية بن حيدة «أنه قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : من أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال : أمّك» إلخ.
والمعروف : الشيء المتعارف المألوف الذي لا ينكر فهو الشيء الحسن ، أي صاحب والديك صحبة حسنة ، وانتصب (مَعْرُوفاً) على أنه وصف لمصدر محذوف مفعول مطلق ل (صاحِبْهُما) ، أي صحابا معروفا لأمثالهما. وفهم منه اجتناب ما ينكر في