كان المضاف لو حذف لما اختل الكلام بحيث يستغنى بالمضاف إليه عن المضاف ، وعليه فضمير (إِنَّها) للقصة والحادثة وهو المسمى بضمير الشأن ، وهو يقع بصورة ضمير المفردة المؤنثة بتأويل القصة ، ويختار تأنيث هذا الضمير إذا كان في القصة لفظ مؤنث كما في قوله تعالى (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) [الحج : ٤٦] ، ويكثر وقوع ضمير الشأن بعد (إنّ) كقوله تعالى (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) [طه : ٧٤] ، ومن ذلك تقدير ضمير الشأن اسما لحرف (أنّ) المفتوحة المخففة ، وهو يفيد الاهتمام بإقبال المخاطب على ما يأتي بعده ، فاجتمع في هذه الجملة ثلاثة مؤكدات : النداء ، وإنّ ، وضمير القصة ، لعظم خطر ما بعده المفيد تقرير وصفه تعالى بالعلم المحيط بجميع المعلومات من الكائنات ، ووصفه بالقدرة المحيطة بجميع الممكنات بقرينة قوله (يَأْتِ بِهَا اللهُ).
وقد أفيد ذلك بطريق دلالة الفحوى ؛ فذكر أدقّ الكائنات حالا من حيث تعلق العلم والقدرة به ، وذلك أدق الأجسام المختفي في أصلب مكان أو أقصاه وأعزّه منالا ، أو أوسعه وأشده انتشارا ، ليعلم أن ما هو أقوى منه في الظهور والدّنو من التناول أولى بأن يحيط به علم الله وقدرته. وقرأه الباقون بنصب (مِثْقالَ) على الخبرية ل (تَكُ) من (كان) الناقصة ، وتقدير اسم لها يدل عليه المقام مع كون الفعل مسندا لمؤنث ، أي إن تك الكائنة ، فضمير (إِنَّها) مراد منه الخصلة من حسنة أو سيئة أخذا من المقام.
والمثقال بكسر الميم : ما يقدر به الثقل ولذلك صيغ على زنة اسم الآلة.
والحبة : واحدة الحبّ وهو بذر النبات من سنابل أو قطنية بحيث تكون تلك الواحدة زريعة لنوعها من النبات ، وقد تقدم في سورة البقرة [٢٦١] قوله (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ) وقوله (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) في سورة الأنعام [٩٥].
والخردل : نبت له جذر وساق قائمة متفرعة أسطوانية أوراقها كبيرة يخرج أزهارا صغيرة صفرا سنبلية تتحول إلى قرون دقيقة مربعة الزوايا تخرج بزورا دقيقة تسمى الخردل أيضا ، ولبّ تلك البزور شديد الحرارة يلدغ اللسان والجلد ، وهي سريعة التفتق ينفتق عنها قشرها بدقّ أو إذا بلت بمائع ، فتستعمل في الأدوية ضمّادات على المواضع التي فيها التهاب داخلي من نزلة أو ذات جنب وهو كثير الاستعمال في الطب قديما وحديثا. وقد أخذ الأطباء يستغنون عنه بعقاقير أخرى. وتقدم نظير هذا في سورة الأنبياء [٤٧] (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها).