فَخُورٍ (١٨))
انتقل لقمان بابنه إلى الآداب في معاملة الناس فنهاه عن احتقار الناس وعن التفخر عليهم ، وهذا يقتضي أمره بإظهار مساواته مع الناس وعدّ نفسه كواحد منهم.
وقرأ الجمهور ولا تصاعر. وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم وأبو جعفر ويعقوب (وَلا تُصَعِّرْ). يقال : صاعر وصعّر ، إذا أمال عنقه إلى جانب ليعرض عن جانب آخر ، وهو مشتق من الصعر بالتحريك لداء يصيب البعير فيلوي منه عنقه فكأنه صيغ له صيغة تكلف بمعنى تكلف إظهار الصعر وهو تمثيل للاحتقار لأن مصاعرة الخد هيئة المحتقر المستخف في غالب الأحوال. قال عمرو بن حني التغلبي يخاطب بعض ملوكهم :
وكنّا إذا الجبّار صعّر خدّه |
|
أقمنا له من ميله فتقوّم |
والمعنى : لا تحتقر الناس فالنهي عن الإعراض عنهم احتقارا لهم لا عن خصوص مصاعرة الخد فيشمل الاحتقار بالقول والشتم وغير ذلك فهو قريب من قوله تعالى (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) [الإسراء : ٢٣] إلا أن هذا تمثيل كنائي والآخر كناية لا تمثيل فيها.
وكذلك قوله (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) تمثيل كنائي عن النهي عن التكبر والتفاخر لا عن خصوص المشي في حال المرح فيشمل الفخر عليهم بالكلام وغيره.
والمرح : فرط النشاط من فرح وازدهاء ، ويظهر ذلك في المشي تبخترا واختيالا فلذلك يسمى ذلك المشي مرحا كما في الآية ، فانتصابه على الصفة لمفعول مطلق ، أي مشيا مرحا ، وتقدم في سورة الإسراء [٣٧]. وموقع قوله (فِي الْأَرْضِ) بعد (لا تَمْشِ) مع أن المشي لا يكون إلا في الأرض هو الإيماء إلى أن المشي في مكان يمشي فيه الناس كلهم قويّهم وضعيفهم ، ففي ذلك موعظة للماشي مرحا أنه مساو لسائر الناس.
وموقع (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) موقع (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) [لقمان : ١٦] كما تقدم. والمختال : اسم فاعل من اختال بوزن الافتعال من فعل خال إذا كان ذا خيلاء ، فهو خائل. والخيلاء : الكبر والازدهاء ، فصيغة الافتعال فيه للمبالغة في الوصف فوزن المختال مختيل فلما تحرّك حرف العلة وانفتح ما قبله قلب ألفا ، فقوله (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ) مقابل قوله ولا تصاعر خدك للناس ، وقوله (فَخُورٍ) مقابل قوله (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً).
والفخور : شديد الفخر. وتقدم في قوله (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً)