الكلام يشبه نهيق الحمير فله حظ من النكارة.
و (أَنْكَرَ) : اسم تفضيل في كون الصوت منكورا ، فهو تفضيل مشتق من الفعل المبني للمجهول ومثله سماعي وغير شاذ ، ومنه قولهم في المثل : «أشغل من ذات النّحيين» أي أشد مشغولية من المرأة التي أريدت في هذا المثل.
وإنما جمع (الْحَمِيرِ) في نظم القرآن مع أن صوت مفردا ولم يقل الحمار لأن المعرف بلام الجنس يستوي مفرده وجمعه. ولذلك يقال : إن لام الجنس إذا دخلت على جمع أبطلت منه معنى الجمعيّة. وإنما أوثر لفظ الجمع لأن كلمة الحمير أسعد بالفواصل لأن من محاسن الفواصل والأسجاع أن تجري على أحكام القوافي ، والقافية المؤسسة بالواو أو الياء لا يجوز أن يرد معها ألف تأسيس فإن الفواصل المتقدمة من قوله (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) [لقمان : ١٢] هي : حميد ، عظيم ، المصير ، خبير ، الأمور ، فخور ، الحمير. وفواصل القرآن تعتمد كثيرا على الحركات والمدود والصيغ دون تماثل الحروف وبذلك تخالف قوافي القصائد. وهذا وفاء بما وعدت به عند الكلام على قوله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) من ذكر ما انتهى إليه تتبعي لما أثر من حكمة لقمان غير ما في هذه السورة وقد ذكر الألوسي في «تفسيره» منها ثمانيا وعشرين حكمة وهي :
قوله لابنه : أي بني ، إن الدنيا بحر عميق ، وقد غرق فيها أناس كثير فاجعل سفينتك فيها تقوى الله تعالى ، وحشوها الإيمان ، وشراعها التوكل على الله تعالى لعلك أن تنجو ولا أراك ناجيا.
وقوله : من كان له من نفسه واعظ كان له من الله عزوجل حافظ ، ومن أنصف الناس من نفسه زاده الله تعالى بذلك عزا ، والذل في طاعة الله تعالى أقرب من التعزز بالمعصية.
وقوله : ضرب الوالد لولده كالسماد للزرع.
وقوله : يا بني إياك والدّين فإنه ذل النهار وهمّ الليل.
وقوله : يا بني ارج الله عزوجل رجاء لا يجرّئك على معصيته تعالى ، وخف الله سبحانه خوفا لا يؤيسك من رحمته تعالى شأنه.
وقوله : من كذب ذهب ماء وجهه ، ومن ساء خلقه كثر غمّه ، ونقل الصخور من مواضعها أيسر من إفهام من لا يفهم.