و (كَلِماتُ) جمع كلمة بمعنى الكلام كما في قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) [المؤمنون : ١٠٠] أي : الكلام المنبئ عن مراد الله من بعض مخلوقاته مما يخاطب به ملائكته وغيرهم من المخلوقات والعناصر المعدودة للتكون التي يقال لها : كن فتكون ، ومن ذلك ما أنزله من الوحي إلى رسله وأنبيائه من أول أزمنة الأنبياء وما سينزله على رسولهصلىاللهعليهوسلم ، أي لو فرض إرادة الله أن يكتب كلامه كله صحفا ففرضت الأشجار كلها مقسمة أقلاما ، وفرض أن يكون البحر مدادا فكتب بتلك الأقلام وذلك المداد لنفد البحر ونفدت الأقلام وما نفدت كلمات الله في نفس الأمر.
وأما قوله تعالى : وتمت كلمات (رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) [الأنعام : ١١٥] فالتمام هنالك بمعنى التحقق والنفوذ ، وتقدم قوله تعالى : (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) في سورة الأنفال [٧]. وقد نظمت هذه الآية بإيجاز بديع إذ ابتدئت بحرف (لَوْ) فعلم أن مضمونها أمر مفروض ، وأن ل (لَوْ) استعمالات كما حققه في «مغنى اللبيب» عن عبارة سيبويه. وقد تقدم عند قوله تعالى (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) في سورة الأنفال [٢٣].
و (مِنْ شَجَرَةٍ) بيان لما الموصولة وهو في معنى التمييز فحقه الإفراد ، ولذلك لم يقل : من أشجار. والأقلام : جمع قلم وهو العود المشقوق ليرفع به المداد ويكتب به ، أي : لو تصير كل شجرة أقلاما بمقدار ما فيها من أغصان صالحة لذلك. والأقلام هو الجمع الشائع لقلم فيرد للكثرة والقلة. و (يَمُدُّهُ) بفتح الياء التحتية وضم الميم ، أي : يزيده مدادا. والمداد ـ بكسر الميم ـ الحبر الذي يكتب به. يقال : مد الدّواة يمدها. فكان قوله (يَمُدُّهُ) متضمنا فرض أن يكون البحر مدادا ثم يزاد فيه إذا نشف مداده سبعة أبحر ، ولو قيل : يمده ، بضم الميم من أمد لفات هذا الإيجاز.
والسبعة : تستعمل في الكناية عن الكثرة كثيرا كقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «والكافر يأكل في سبعة أمعاء» فليس لهذا العدد مفهوم ، أي والبحر يمده أبحر كثيرة.
ومعنى (ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) ما انتهت ، أي : فكيف تحسب اليهود ما في التوراة هو منتهى كلمات الله ، أو كيف يحسب المشركون أن ما نزل من القرآن أوشك أن يكون انتهاء القرآن ، فيكون المثل على هذا الوجه الآخر واردا مورد المبالغة في كثرة ما سينزل من القرآن إغاظة للمشركين ، فتكون (كَلِماتُ اللهِ) هي القرآن ، لأن المشركين لا يعرفون كلمات الله التي لا يحاط بها.
وجملة (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) تذييل ، فهو لعزته لا يغلبه الذين يزعمون عدم الحاجة