والمعنى : أن إيلاج الليل في النهار وعكسه وتسخير الشمس والقمر مسبب عن انفراد الله تعالى بالإلهية ، فالباء للسببية ، وهو ظرف مستقر خبر عن اسم الإشارة. وضمير الفصل مفيد للاختصاص ، أي : هو الحق لا أصنامكم ولا غيرها مما يدّعى إلهية غيره تعالى.
و (الْحَقُ) : هنا بمعنى الثابت ، ويفهم أن المراد حقية ثبوت إلهيته بقرينة السياق ولمقابلته بقوله وأن ما تدعون (مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ) ، والمعنى : لما كان ذلك الصنع البديع مسببا عن انفراد الله بالإلهية كان ذلك أيضا دليلا على انفراد الله بالإلهية للتلازم بين السبب والمسبب. والتعريف في (الْحَقُ) و (الْباطِلُ) تعريف الجنس. وإنما لم يؤت بضمير الفصل في الشق الثاني لأن ما يدعونه من دون الله من أصنامهم يشترك معها في أنه باطل.
وذكر ضمير الفصل في نظيره من سورة الحج [٧٣] لاقتضاء المقام ذلك كما تقدم.
والظاهر أنا إذا جعلنا الباء في (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) باء السببية أن يكون قوله وأن ما تدعون (مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ) عطفا على الخبر وهو مجموع (بِأَنَّ اللهَ). فالتقدير : ذلك أن ما تدعون من دونه الباطل. ويقدر حرف جر مناسب للمعنى حذف قبل (أَنَ) وهو حرف (على) أي : ذلك دال. وهذا كما قدر حرف (عن) في قوله تعالى : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) [النساء : ١٢٧] ولا يكون عطفا على مدخول باء السببية إذ ليس لبطلان آلهتهم أثر في إيلاج الليل في النهار وتسخير الشمس والقمر ، أو تقدر لام العلة ، أي ذلك ، لأن ما تدعونه باطل ؛ فلذلك لم يكن لها حظ في إيلاج الليل والنهار وتسخير الشمس والقمر باعتراف المشركين. وقوله (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) واقع موقع الفذلكة لما تقدم من دلالة إيلاج الليل والنهار وتسخير الشمس والقمر لأنه إذا استقر أنّ ما ذكر دال على أن الله هو الحق بالإلهية ، ودال على أن ما يدعونه باطل ، ثبت أنه العلي الكبير دون أصنامهم.
وقد اجتلب ضمير الفصل هنا للدلالة على الاختصاص وسلب العلو والعظمة عن أصنامهم.
والأحسن أن نجعل الباء للملابسة أو المصاحبة وهي ظرف مستقر خبر عن اسم الإشارة ، فإن شأن الباء التي للملابسة أن تكون ظرفا مستقرا بل قال الرضيّ : إنها لا تكون إلّا كذلك ، أي أنها لا تتعلق إلا بنحو الخبر أو الحال كما قال :
وما لي بحمد الله لحم ولا دم
أي : حالة كوني ملابسا حمد الله ، أي : غير ساخط من قضائه ، ويقال : أنت بخير النظرين ، أي : مستقر. فالتقدير : ذلك المذكور من الإيلاج والتسخير ملابس لحقيّة إلهية