والواو في (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ) عطف على (ناظِرِينَ) وما بينهما من الاستدراك وما تفرع عليه اعتراض بين المتعاطفين. وزيادة حرف النفي قبل (مُسْتَأْنِسِينَ) لتأكيد النفي كما هو الغالب في العطف على المنفي وفي تصدير المنفي نحو قوله : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) الآية [النساء : ٦٥] وقوله : (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) [الحجرات : ١١] ثم قوله : (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) [الحجرات : ١١].
والاستئناس : طلب الأنس مع الغير. واللام في (لِحَدِيثٍ) للعلة ، أي ولا مستأنسين لأجل حديث يجري بينكم.
والحديث : الخبر عن أمر حدث ، فهو في الأصل صفة حذف موصوفها ثم غلبت على معنى الموصوف فصار بمعنى الإخبار عن أمر حدث ، وتوسّع فيه فصار الإخبار عن شيء ولو كان أمرا قد مضى. ومنه سمي ما يروى عن النبي صلىاللهعليهوسلم حديثا كما يسمى خبرا ، ثم توسع فيه فصار يطلق على كل كلام يجري بين الجلساء في جد أو فكاهة ، ومنه قولهم : حديث خرافة ، وقول كثير :
أخذنا باكتراث الأحاديث تبيينا |
|
... البيت |
واستئناس الحديث : تسمّعه والعناية بالإصغاء إليه ، قال النابغة :
كأن رحلي وقد زال النهار بنا |
|
يوم الجليل على مستأنس وحد |
أي كأني راكب ثورا وحشيا منفردا تسمّع صوت الصائد فأسرع الهروب.
وإضافة (بُيُوتَ النَّبِيِ) على معنى لام الملك لأن تلك البيوت ملك له ملكها بالعطية من الذين كانت ساحة المسجد ملكا لهم من الأنصار ، وبالفيء لقبور المشركين التي كانت ثمة ، فإن المدينة فتحت بكلمة الإسلام فأصبحت دارا للمسلمين. ومصير تلك البيوت بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوسلم مصير تركته كلها فإنه لا يورث وما تركه ينتفع منه أزواجه وآله بكفايتهم حياتهم ثم يرجع ذلك للمسلمين كما قضى به عمر بين علي والعباس فيما كان للنبي صلىاللهعليهوسلم من فدك ونخل بني النضير ، فكان لأزواج النبي صلىاللهعليهوسلم حق السكنى في بيوتهن بعده حتى توفّاهن الله من عند آخرتهن ، فلذلك أدخلها الخلفاء في المسجد حين توسعته في زمن الوليد بن عبد الملك وأمير المدينة يومئذ عمر بن عبد العزيز. ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة ولم يعط ورثتهن شيئا ولا سألوه. وإضافتها إلى ضميرهن في قوله : (ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَ) [الأحزاب : ٣٤] على معنى لام الاختصاص لا لام الملك.