قسمة ما أريد بها وجه الله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر».
واعلم أن محل التشبيه هو قوله : (كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى) دون ما فرع عليه من قوله: (فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا) وإنما ذلك إدماج وانتهاز للمقام بذكر براءة موسى مما قالوا ، ولا اتصال له بوجه التشبيه لأن نبيئنا صلىاللهعليهوسلم لم يؤذ إيذاء يقتضي ظهور براءته مما أوذي به.
ومعنى «برّأه» أظهر براءته عيانا لأن موسى كان بريئا مما قالوه من قبل أن يؤذوه بأقوالهم فليس وجود البراءة منه متفرعة على أقوالهم ولكن الله أظهرها عقب أقوالهم فإن الله أظهر براءته من التغرير بهم إذ أمرهم بدخول أريحا فثبّت قلوبهم وافتتحوها وأظهر براءته من الاستهزاء بهم إذ أظهر معجزته حين ذبحوا البقرة التي أمرهم بذبحها فتبين من قتل النفس التي ادّارءوا فيها.
وأظهر سلامته من البرص والأدرة حين بدا لهم عريانا لما انتقل الحجر الذي عليه ثيابه. ومعنى : «برأه مما قالوا» برأه من مضمون قولهم لا من نفس قولهم لأن قولهم قد حصل وأوذي به وهذا كما سموا السّبة القالة. ونظيره قوله تعالى : (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ) [مريم : ٨٠] ، أي ما دل عليه مقاله وهو قوله : (لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) [مريم : ٧٧] أي نرثه ماله وولده.
وجملة (وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) معترضة في آخر الكلام ومفيدة سبب عناية الله بتبرئته.
والوجيه صفة مشبهة ، أي ذو الوجاهة. وهي الجاه وحسن القبول عند الناس. يقال : وجه الرجل ، بضم الجيم ، وجاهة فهو وجيه. وهذا الفعل مشتق من الاسم الجامد وهو الوجه الذي للإنسان ، فمعنى كونه وجيها عند الله أنه مرضيّ عنه مقبول مغفور له مستجاب الدعوة.
وقد تقدم قوله تعالى : (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) في سورة آل عمران [٤٥] ، فضمّه إلى هنا. وذكر فعل (كانَ) دال على تمكن وجاهته عند الله تعالى.
وهذا تسفيه للذين آذوه بأنهم آذوه بما هو مبرأ منه ، وتنويه وتوجيه لتنزيه الله إياه بأنه مستأهل لتلك التبرئة لأنه وجيه عند الله وليس بخامل.