يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) [الدخان : ١٠] الآيات ، فدعاؤهم ربهم يشمل طلبهم أن يدعو لهم الرسول صلىاللهعليهوسلم. و (مُنِيبِينَ) حال من الناس كلهم أي استووا في الإنابة إليه أي راجعين إليه بعد ، واشتغل المشركون عنه بدعاء الأصنام ، قال تعالى : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) [الدخان : ١٥]. وتقدم (مُنِيبِينَ) آنفا.
والمس : مستعار للإصابة. وحقيقة المس : أنه وضع اليد على شيء ليعرف وجوده أو يختبر حاله ، وتقدم في قوله (لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في العقود [٧٣]. واختبر هنا لما يستلزمه من خفة الإصابة ، أي يدعون الله إذا أصابهم خفيف ضر بله الضرّ الشديد.
والإذاقة : مستعارة للإصابة أيضا. وحقيقتها : إصابة المطعوم بطرف اللسان وهي أضعف إصابات الأعضاء للأجسام فهي أقلّ من المضغ والبلع ، وتقدم في قوله تعالى (لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) في سورة العقود [٩٥] ، و (إِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ) في سورة يونس [٢١]. واختبر فعل الإذاقة لما يدل عليه من إسراعهم إلى الإشراك عند ابتداء إصابة الرحمة لهم.
والرحمة : تخليصهم من الشدّة. و (ثُمَ) للتراخي الرتبي لأن إشراكهم بالله بعد الدعاء والإنابة وحصول رحمته أعجب من إشراكهم السابق ، ففي التراخي الرتبي معنى التعجيب من تجدد إشراكهم ، وحرف المفاجأة (إِذا) يفيد أيضا أن هذا الفريق أسرعوا العودة إلى الشرك بحدثان ذوق الرحمة لتأصل الكفر منهم وكمونه في نفوسهم.
وضمير (مِنْهُ) عائد إلى الله تعالى. ومن ابتدائية متعلقة ب (أَذاقَهُمْ). و (رَحْمَةً) فاعل (أَذاقَهُمْ) ولم يؤنث لها الفعل لأن تأنيث مسمى الرحمة غير حقيقي ولأجل الفصل بالمجرور. وتقديم المجرور على الفاعل للاهتمام به ليظهر أن الذي أصابهم هو من فضل الله وتقديره لا غير ذلك. واللام في قوله (لِيَكْفُرُوا) لام التعليل وهي مستعارة لمعنى التسبب الذي حقه أن يفاد بالفاء لأنهم لما أشركوا لم يريدوا بشركهم أن يجعلوه علة للكفر بالنعمة ولكنهم أشركوا محبة للشرك فكان الشرك مفضيا إلى كفرهم نعمة الله خشية الإفضاء والتسبب بالعلة الغائية على نحو قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨].
وضمير (لِيَكْفُرُوا) عائد إلى الفريق باعتبار معناه.