مخرجة عنها. قال أبو بكر الصديق رضياللهعنه : «فإن الزكاة حق المال». وإنما ضبطت بعد الهجرة فصار ما عداها من الصدقة غير واجب. وقصر اسم الزكاة على الواجبة وأطلق على ما عداها اسم الصدقة أو البر أو نحو ذلك ، فجماع حق هؤلاء الثلاثة المواساة بالمال ، فدل على أن ذلك واجب لهم. وكان هذا في صدر الإسلام ثم نسخ بفرض الزكاة ، ثم إن لكل صنف من هؤلاء الثلاثة حقا ؛ فحقّ ذي القربى يختلف بحسب حاجته ؛ فللغني حقه في الإهداء تودّدا ، وللمحتاج حق أقوى. والظاهر أن المراد ذو القرابة الضعيف المال الذي لم يبلغ به ضعفه مبلغ المسكنة بقرينة التعبير عنه بالحق ، وبقرينة مقابلته بقوله لتربوا (فِي أَمْوالِ النَّاسِ) [الروم : ٣٩] على أحد الاحتمالات في تفسيره. وأما إعطاء القريب الغني فلعله غير مراد هنا وليس مما يشمله لفظ (حَقَّهُ) وإنما يدخل في حسن المعاملة المرغب فيها.
وحق المسكين : سد خلته. وحق ابن السبيل : الضيافة كما في الحديث «جائزته يوم وليلة» والمقصود إبطال عادة أهل الجاهلية إذ كانوا يؤثرون البعيد على القريب في الإهداء والإيصاء حبا للمدحة ، ويؤثرون بعطاياهم السادة وأهل السمعة تقربا إليهم ، فأمر المسلمون أن يتجنبوا ذلك ، قال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ) كما تقدم في سورة البقرة [١٨٠].
ولذلك عقب بقوله هنا (ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) أي الذين يتوخّون بعطاياهم إرضاء الله وتحصيل ثوابه وهم المؤمنون. والإشارة بقوله (ذلِكَ خَيْرٌ) إلى الإيتاء المأخوذ من قوله (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) الآية.
وذكر الوجه هنا تمثيل كأن المعطي أعطى المال بمرأى من الله لأن الوجه هو محلّ النظر. وفيه أيضا مشاكلة تقديرية لأن هذا الأمر أريد به مقابلة ما كان يفعله أهل الجاهلية من الإعطاء لوجه المعطى من أهل الوجاهة في القوم فجعل هنا الإعطاء لوجه الله. والمراد : أنه لامتثال أمره وتحصيل رضاه.
واسم الإشارة في قوله (ذلِكَ خَيْرٌ) للتنويه بالمأمور به. و (خَيْرٌ) يجوز أن يكون تفضيلا والمفضّل عليه مفهوم من السياق أن ذلك خير من صنيع أهل الجاهلية الذين يعطون الأغنياء البعداء للرياء والسمعة ، أو المراد ذلك خير من بذل المال في المراباة التي تذكر بعد في قوله (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً) الآية [الروم : ٣٩]. ويجوز أن يكون الخير ما قابل الشر ، أي ذلك فيه خير للمؤمنين ، وهو ثواب الله.