بالترغيب فهو كالتكملة للبيان. وإنما قوبل (مَنْ كَفَرَ) ب (مَنْ عَمِلَ صالِحاً) ولم يقابل ب (من آمن) للتنويه بشأن المؤمنين بأنهم أهل الأعمال الصالحة دون الكافرين. فاستغني بذكر العمل الصالح عن ذكر الإيمان لأنه يتضمنه ، ولتحريض المؤمنين على الأعمال الصالحة لئلا يتّكلوا على الإيمان وحده فتفوتهم النجاة التامة. وهذا اصطلاح القرآن في الغالب أن يقرن الإيمان بالعمل الصالح كما في قوله تعالى قبل هذه الآية : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ* فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ* وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) [الروم : ١٤ ـ ١٦] حتى توهمت المعتزلة والخوارج أن العمل الصالح شرط في قبول الإيمان.
وتقديم (فَلِأَنْفُسِهِمْ) على (يَمْهَدُونَ) للاهتمام بهذا الاستحقاق وللرعاية على الفاصلة وليس للاختصاص.
و (يَمْهَدُونَ) يجعلون مهادا ، والمهاد : الفراش. مثلت حالة المؤمنين في عملهم الصالح بحال من يتطلب راحة رقاده فيوطئ فراشه ويسويه لئلا يتعرض له في مضجعه من النتوء أو اليبس ما يستفز منامه.
وتقديم (فَلِأَنْفُسِهِمْ) على (يَمْهَدُونَ) للرعاية على الفاصلة مع الاهتمام بذكر أنفس المؤمنين لأن قرينة عدم الاختصاص واضحة. وروعي في جمع ضمير (يَمْهَدُونَ) معنى (مَنْ) دون لفظها مع ما تقتضيه الفاصلة من ترجيح تلك المراعاة.
ويتعلق (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) ب (يَمْهَدُونَ) أي يمهدون لعلة أن يجزي الله إياهم من فضله. وعدل عن الإضمار إلى الإظهار في قوله (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) للاهتمام بالتصريح بأنهم أصحاب صلة الإيمان والعمل الصالح وأن جزاء الله إياهم مناسب لذلك لتقرير ذلك في الأذهان ، مع التنويه بوصفهم ذلك بتكريره وتقريره كما أنبأ عن ذلك قوله عقبه (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ).
وقد فهم من قوله (مِنْ فَضْلِهِ) أن الله يجازيهم أضعافا لرضاه عنهم ومحبته إياهم كما اقتضاه تعليل ذلك بجملة (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) المقتضي أنه يحب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فحصل بقوله (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) تقرير بعد تقرير على الطرد والعكس فإن قوله (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) دل بصريحه على أنهم أهل الجزاء بالفضل ، ودل بمفهومه على أنهم أهل الولاية.