حين تحققوه بما حاصله : أنهم لو علموا أن البعث يكون بعد ساعة من الحلول في القبر لأقروا به. وقد أنبأ عن هذا تسمية كلامهم هذا معذرة بقوله عقبه : (فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ) [الروم : ٥٧]. وهذه فتنة أصيبوا بها حين البعث جعلها الله لهم ليكونوا هزأة لأهل النشور. ويتضح غلطهم وسوء فهمهم كما دل عليه قوله تعالى بعد ذلك: (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ) الآية [الروم : ٥٦] وقد أومأ إلى أن هذا هو المراد من الآية أنه قال عقب ذلك : (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) أي كهذا الخطأ كانوا في الدنيا يصرفون عن الحق بمثل هذه الترهات. وتقدم شيء من هذا في المعنى عند قوله تعالى : (يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً* نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) في سورة طه [١٠٣ ، ١٠٤]. وبلغ من ضلالهم في ذلك أنهم يقسمون عليه ، وهذا بعد ما يجري بينهم من الجدال من قول بعضهم : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) وقول بعضهم : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) ، وقول آخرين : (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) [الكهف : ١٩] وبعض اليوم يصدق بالساعة ، كما حكي عنهم في هذه الآية. والظاهر أن هذا القسم يتخاطبون به فيما بينهم كما اقتضته آية سورة طه ، أو هو حديث آخر أعلنوا به حين اشتد الخلاف بينهم لأن المصير إلى الحلف يؤذن بمشادة ولجاج في الخلاف. وفي قوله : (السَّاعَةُ) و (ساعَةٍ) الجناس التام.
وجملة (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) استئناف بياني لأن غرابة حالهم من فساد تقدير المدة والقسم عليه مع كونه توهما يثير سؤال سائل عن مثار هذا الوهم في نفوسهم فكان قوله (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) بيانا لذلك. ومعناه : أنهم لا عجب في صدور ذلك منهم فإنهم كانوا يجيئون بمثل تلك الأوهام مدة كونهم في الدنيا ، فتصرفهم أوهامهم عن اليقين ، وكانوا يقسمون على عقائدهم كما في قوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) [النحل : ٣٨] استخفافا بالأيمان ، وكذلك إشارة إلى انصرافهم عن الحق يوم البعث. والمشار إليه هو المشبه به والمشبه محذوف دل عليه كاف التشبيه ، والتقدير : إفكا مثل إفكهم هذا كانوا يؤفكون به في حياتهم الدنيا. والمقصود من التشبيه المماثلة والمساواة.
والإفك بفتح الهمزة : الصرف وهو من باب ضرب ، ويعدى إلى الشيء المصروف عنه بحرف (عن) ، وقد تقدم في تفسير قوله تعالى : (لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) في سورة العنكبوت [٦٠]. ولم يسند إفكهم إلى آفك معين لأن بعض صرفهم يكون من أوليائهم وأئمة دينهم ، وبعضه من طبع الله على قلوبهم.
وإقحام فعل (كانُوا) للدلالة على أن المراد في زمان قبل ذلك الزمن ، أي في زمن