والمراد بالصدقة الجارية في هذه الأخبار هي الوقف كما أشار إليه الشهيد في الدروس ، وقال ابن فهد في موجزه : قال العلماء : المراد بالصدقة الجارية الوقف فان قيل : المعدود في الحديث الثاني أربع خصال ، مع أنه صرح في صدر الخبر بأنها ثلاث خصال ، قلنا : المعدود فيه إنما هو ثلاث ، ولكنه قسم الصدقة التي هي إحدى الثلاث إلى قسمين ، صدقة أجراها في حياته ، فهي تجري بعد موته ، وهي الوقف كما ذكرناه ، وصدقة مبتولة لا تورث ، ولعله مثل بناء المساجد والرباطات وحفر الآبار ، وبناء القناطر ، ونحو ذلك ، ولعل المراد بكونها مبتولة كونها مرادا بها وجه الله عزوجل والتقرب إليه.
وذكر الشيخ في المبسوط أن أوقاف الجاهلية كانت أربعة ، السائبة والبحيرة والوصيلة والحام ، ثم بين معانيها الى أن قال : وجاء الشرع بإبطالها ، قال الله تعالى (١) «ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ ، وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ» الآية.
والبحث في هذا المقصد يقع في مطالب الأول ـ في العقد وما يلحق به ، والكلام فيه يقع في موضعين الأول ـ قالوا : الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة قيل : وهذا التعريف تبعا للحديث النبوي (٢) «عنه (صلىاللهعليهوآلهوسلم) قال : حبس الأصل وسبل الثمرة». والمراد بتحبيس الأصل المنع من التصرف فيه ، كالتصرف في الأملاك بالبيع والهبة ، والصدقة ونحوها ، بحيث يكون ناقلا للملك ، وتسبيل الثمرة إباحتها للموقوف عليه ، بحيث يتصرف فيها كتصرفه في أملاكه.
وجملة من الأصحاب عبروا بإطلاق المنفعة عوض لفظ التسبيل ، وهو أظهر في مقابلة التحبيس ، وعرفه في الدروس بأنه الصدقة الجارية ، قال : وثمرته تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة ، قيل هذا التعريف تبعا لما ورد في الأخبار المتقدمة.
__________________
(١) سورة المائدة ـ الاية ١٠٣.
(٢) المستدرك ج ٢ ص ٥١١ الباب ٢ ح ١.