على القول المذكور.
وأما الاستدلال بحديث «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها». فقد عرفت آنفا ما فيه ، والحديث الذي بعده ، وان لم يكن ظاهرا في الدلالة ، الا انه صالح للتأييد.
وأما الآية التي استدل بها على المنع مطلقا فهي ظاهرة الدلالة أيضا على القول المذكور ، وفي معناها قوله عزوجل (١) «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ، وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ» الآية وهما صريحتان في النهي عن مودة الكافر ، ولا ريب أن الوقف عليه إنما ينشئ من المحبة والمودة ، وهو مؤكد لها ، والحال أنه منهي عن المودة التي نشأ منها الوقف ، وتأكد بها ، فيكون منهيا عنه أيضا بالطريق الأولى.
نعم لا يخفى أن الآية الأولى وان دلت على الجواز مطلقا الا أنه يدفعها بالنسبة إلى الحربي أولا للقول باشتراط القربة في الوقف ، وقد عرفت أنه مذهب جملة من الأصحاب (رحمهمالله) فإنه مقتضى الأدلة ، والتقرب إلى الله تعالى بصلته مع نهيه سبحانه عن مودته لا يجتمعان.
وثانيا حل أمواله للمسلمين ، فان مال الحربي فيء للمسلمين يصح أخذه وبيعه ، وهو ينافي صحة الوقف عليه ، والمعارضة كما ترى حاصلة بين الآية المستدل بها على الجواز ، وبين ما ذكرناه ، ولم يظهر لي وجه يجمع به بينهما ، وبذلك يزيد الاشكال.
ومن ثم أنه في المسالك رجح القول بالمنع في الحربي ، والجواز في الذمي ، لكن الواجب عليه كان أن يجيب عن الآية الدالة على الجواز مطلقا ، مع أنه لم يتعرض لذلك ، إلا أنه خص آية الجواز بالذمي كما أشرنا إليه آنفا ، من أنه جعل الأقوال الأربعة في الذمي خاصة ، والآية كما ترى أعم ، بل صريح أمين الإسلام
__________________
(١) سورة الممتحنة ـ الاية ١.