نفسه بنحو ما قلناه من وجوب عمل الفقيه بما قام له الدليل عليه ، وان ادعى الإجماع على خلافه في مسئلة ما لو أوصى له بأبيه فقبل الوصية ، حيث قال ما صورته : والأقوى ما اختاره المصنف ، ولا يقدح دعواه الإجماع في فتوى العلامة ، لأن الحق أن الإجماع عند أصحابنا انما يكون حجة مع تحقق دخول المعصوم في جملة قولهم ، فان حجيته انما هي باعتبار قوله عندهم ، ودخول قوله في قولهم في مثل هذه المسئلة النظرية غير معلوم ، وقد نبه المصنف في أوائل المعتبر على ذلك ، ثم نقل عبارته الى أن قال : وهذا الإنصاف عين الحق ، فإن إدخال قول شخص غائب لا يعرف قوله في قول جماعة معروفين بمجرد اتفاقهم على ذلك القول بدون العلم بموافقته لهم ، تحكم بارد ، وبهذا يظهر جواز مخالفه الفقيه المتأخر لغيره من المتقدمين في كثير من المسائل التي ادعوا فيها الإجماع إذا قام عنده الدليل على ما يقتضي خلافهم ، وقد اتفق ذلك لهم كثيرا ، لكن زلة المتقدم متسامحة عند الناس دون المتأخر ، انتهى وهو جيد نفيس.
ومنه يعلم أيضا ان ما يقول به هو وغيره من هذه الإجماعات المتناقلة في كلامهم والجارية على رؤس أقلامهم مما لا اعتماد عليها ولا التفات إليها ، كما حققه أيضا في رسالته التي في وجوب صلاة الجمعة ، وحققناه بما لا مزيد عليه في باب صلاة الجمعة من كتاب الصلاة (١).
بقي في المقام فوائد ينبغي التنبيه عليها الأولى ـ أنه على تقدير القول المختار من اعتبار الجوار بعدد الدور من الجوانب الأربعة ، فالظاهر أنه لا فرق في ذلك بين الدار الصغيرة والكبيرة ، ولا بين قرب المسافة بين الدور وبعدها ، عملا بالإطلاق وحصول مسمى العدد ، ويحتمل اعتبار قرب المسافة نظرا إلى العادة والعرف في البلدان ، وأن دورها في الغالب متصلة بعضها ببعض ، أو يكون بينها مسافة يسيرة ولعله الأقرب ، وهل يصدق هذا الحكم في سكان البادية؟ ظاهره في المسالك ذلك
__________________
(١) ج ٩ ص ٣٦١ الى ص ٣٧٦.