المسئلة السادسة : المشهور أنه لو وقف على مصلحة فبطل رسمها ، فإنه يصرف في وجوه البر ذكره الشيخ ، وتبعه الجماعة من غير نقل خلاف ، ويظهر من المحقق في النافع التوقف في ذلك ، حيث أنه نسب الحكم بذلك الى قول ، مؤذنا بالتردد فيه ، وعلل القول المشهور بأن الملك خرج عن ملك الواقف بالوقف الصحيح أولا ، فلا يعود اليه ، والقربة الخاصة قد تعذرت ، فإنه يصرف الى غيرها من القرب ، لاشتراك الجميع في أصل القربة ، ولأنه أقرب شيء إلى مراد الواقف ، ولا أولوية لما أشبه تلك المصلحة التي بطل رسمها ، لاستواء القرب في عدم تناول عقد الوقف لها ، وعدم قصد الواقف لها بخصوصها ، ومجرد المشابهة لا دخل له في تعلقه بها ، فيبطل القيد ، ويبقى أصل الوقف من حيث القربة.
واعترضه في المسالك قال : وفيه نظر ، فإنه لا يلزم من قصد القربة الخاصة وارادتها قصد القربة المطلقة ، فإن خصوصيات العبادات مقصودة ، ولا تلزم ارادة بعضها من ارادة بعض ، انتهى.
وعلل ما ذهب اليه المحقق في النافع بأنه حيث لا دليل على القول المذكور فالأصل بقاء الملك ، خرج عنه ما نص الواقف عليه ، فمع تعذره يرجع الوقف اليه مع وجوده ، ومع فقده الى ورثته ، كذا ذكره ابن فهد في شرحه على الكتاب.
أقول : لا يخفى أن المسئلة المذكورة وان كانت غير منصوصة على الخصوص ، الا أن لها نظائر في الشرع عديدة قد ورد الحكم فيها بما ذكره الأصحاب ، ويرجع الجميع إلى أنه مع تعذر ما عينه المالك من وصية أو نذر أو نحو ذلك ، مما يجب إنفاذه شرعا ، فإنه مع تعذر المصرف المخصوص يصرف في وجوه البر ، ولا يرجع الى الورثة ، وان خالف فيه بعض الأصحاب كما هنا ، فأوجب رده الى الورثة مع تعذر المصرف ، الا أنه محجوج بالأخبار الدالة على ما ذكرناه ، فمن ذلك ما لو أوصى بأبواب عديدة من الوصايا فنسي بابا أو أبوابا ، فإنه يصرف في وجوه