الرجوع بعد القبض مطلقا في بعض ، ومع استثناء بعض الصور المتقدمة في بعض ، ففي بعضها استثناء ما يعطى لله من نحلة أو هبة أو صدقة ، وبعضها استثناء ذي الرحم ، والتحقيق في هذا المقام انك إذا نظرت الى الروايات الدالة على جواز الرجوع بعد القبض مطلقا ، أو ضممت إليها ما دل من الأخبار على عدم جواز الرجوع في الصور التي قدمناها ، ظهر لك أن الواجب تقييد إطلاق تلك الأخبار بهذه الأخبار الواردة في هذه الصور ، وبقاء ما عدا هذه الصور على الدخول تحت الإطلاق ، فإن العام المخصص والمطلق المقيد حجة فيما بقي بعد التخصيص والتقييد ، ولا دليل في هذه الصورة المدعاة هنا حتى يمكن أن يخصص تلك الأخبار به ، كما خصصت بغيره من اخبار الصور المتقدمة ، وبه تظهر قوة القول المذكور.
حجة القول الثاني ـ وجوه ملتقطة من تضاعيف عبارات أصحاب هذا القول عموم قوله تعالى (١) «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» وليس الرجوع تجارة ، ولا عن تراض ، وهذا مما استدل به في المختلف على ما اختاره من هذا القول.
الثاني ـ عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (٢) خرج منه ما دل الدليل على جوازه ، فيبقى الباقي على أصله.
الثالث ـ رواية إبراهيم بن عبد الحميد (٣) عن الصادق عليهالسلام قال : «أنت بالخيار في الهبة ما دامت في يدك ، فإذا خرجت الى صاحبها فليس لك أن ترجع فيها» وقال : قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : «من رجع في هبته فهو كالراجع في قيئه». خرج من ذلك ما أخرجه الدليل ، وبقي الباقي على أصله ، وهذا الوجه مما استدل به في المختلف أيضا.
__________________
(١) سورة النساء ـ الاية ٢٩.
(٢) سورة المائدة ـ الاية ١.
(٣) التهذيب ج ٩ ص ١٥٨ ح ٦٥٣ ، الوسائل ج ١٣ ص ٣٤٣ ح ٤.