المسئلة الثانية : قد صرحوا بأنه إذا تراخى القبض عن العقد ثم أقبض حكم بانتقال الملك من حين القبض لا من حين العقد ، وليس كذلك الوصية ، فإنه يحكم بانتقالها بالموت مع القبول ، وان تأخر القبض.
أقول : قد تقدم ذكر الخلاف سابقا في أن القبض هل هو شرط في اللزوم أو الصحة ، وأن المشهور بين المتأخرين هو الثاني ، والظاهر أن هذا الكلام مبني على هذا القول ، فان مقتضاه أن الملك لا يحصل إلا بعد القبض ، لكون العقد قبل القبض غير صحيح ، فلا يوجب الملك وأما على مذهب من قال : انه شرط في اللزوم فان العقد قبل القبض عنده صحيح ناقل للملك ، إلا أنه لا يلزم إلا بالقبض ، إلا أن هذا القول كما تقدم ذكره ، لا يخلو من الاشكال لما عرفت ثمة.
وبالجملة على تقدير القول بشرطيته في الصحة ، إنما يحصل الانتقال الى ملك المتهب بالقبض ، فيكون القبض ناقلا الملك لا كاشفا عن انتقاله بالعقد ، كما هو مقتضى القول باللزوم ، وتظهر الفائدة في مواضع ، منها النماء المتخلل بين العقد والقبض ، وأما الوصية فإنها تنتقل الى الموصى إليه بالقبول ، وموت الموصي ولا يشترط فيها القبض كما سيأتي تحقيقه في محله ان شاء الله تعالى ، وهذا هو الموافق لقواعد العقود ، الا أن الهبة خرجت عندهم بدليل خاص كما تقدم.
هذا والمفهوم من كلام بعضهم هو جواز تراخى القبض عن العقد ، والوجه فيه أصالة عدم الفورية لعدم الدليل عليها ، وفي القواعد استشكل في صورة تراخيه.
قال في المسالك : والاشكال مبني على القول بأن القبض شرط لصحة الهبة ، لا للزومها ، فيكون جزء من السبب المصحح لها كالقبول ، واعتبرت فوريته كما اعتبرت فورية القبول ، وفيه أن الجزئية لا تقتضي الفورية أيضا ، إذ لا امتناع في تراخي بعض أجزاء السبب عن بعض ، واعتبار الفورية في القبول جاء من دليل من خارج عند من اعتبرها ، نظرا منه الى أن جواب الإيجاب يعتبر فيه ما يعد معه