من الوصية والوصاية كتابا على حدة ، وفي اللمعة قال بالأول ، فعرفهما بما ذكرناه والمفهوم من كلام أكثر الأصحاب أن الوصية عقد يفتقر إلى الإيجاب والقبول من الموصى اليه ، ان كان معينا ، وأما غيره كالفقراء مثلا فيقبل الحاكم الشرعي أو من ينصبه ، والظاهر في الثاني كما استظهره جمع من المتأخرين منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك عدم التوقف على القبول ، وقد تقدم مثله في الوقف ، ثم انه على تقدير وجوب القبول في الأول فهل يكفى القبول الفعلي؟ الظاهر كما اختاره جمع من الأصحاب من الاكتفاء بذلك ، كالأخذ والتصرف فيه لنفسه ، وقد تقدم مثله في جملة من العقود المتقدمة.
وبذلك يظهر أن عده عقدا كما ذكروه لا يخلو من النظر ، إذ مقتضى ذلك وجوب الإيجاب والقبول اللفظين ، كما صرحوا به في العقود ، إلا أن يكون عقدا جائزا كما هو الظاهر ، ويؤيده ما سيأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ من جواز رجوع الموصي ما دام حيا ، والموصى له كذلك ما لم يقبل بعد الوفاة ، وما ذكرنا من اشتراط الإيجاب والقبول اللفظين إنما هو في العقود اللازمة.
وكيف كان فظاهرهم ايضا أنه لا تشترط مقارنة القبول للإيجاب. قال في المسالك : وهو موضع وفاق ، وهو مما يؤيد كونه جائزا لا لازما ، والإيجاب لا ينحصر في لفظ ، بل كل لفظ يدل على مقصوده ، كقوله أوصيت لفلان بكذا ، أو أعطوا فلانا بعد وفاتي كذا ، أو لفلان بعد وفاتي كذا ، وانما جعل قيدا بعد وفاتي في المثالين الأخيرين دون الأول ، لأن قوله في الأول أوصيت صريح في أن العطية انما هي بعد الوفاة ، فلهذا لم يحتج الى قيد ، بخلاف أعطوا فلانا أو لفلان فإنه يكون في الأول مشتركا بين الوصية وبين الأمر بالإعطاء في حياته ، وفي الثاني مشترك بينهما وبين الإقرار له بذلك ، فلا بد من قيد يصرف الكلام إلى الوصية ، فزيد فيه قوله بعد وفاتي.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنى لم أقف في الأخبار على ما يدل على وجوب