أقول : ينبغي أن يعلم أولا أنه لا خلاف كما عرفت آنفا في أن الملك في الوصية متوقف على الإيجاب والقبول وموت الموصي ، فبدون الثلاثة المذكورة لا يحصل الملك قطعا ، وانما اختلفوا في أن القبض مع ذلك هل هو شرط في تحقق الملك أم ليس بشرط.
فقيل : بالأول كالهبة والوقف ، لاشتراكهما في العلة المقتضية له ، وهو العطية المتبرع بها مع أولوية الحكم في الوصية ، من حيث ان العطية في الهبة وما في معناها منجزة ، وفي الوصية مؤخرة ، والملك في المنجز أقوى منه في المؤخر ، بقرينة نفوذ المنجز الواقع من الأصل على خلاف ، بخلاف المؤخر.
وقيل : بالثاني لأصالة العدم ، وعموم «الأمر بالوفاء بالعقود» الشامل لموضع النزاع ، وبطلان القياس ، من حيث خروج الهبة ونظائرها بدليل خاص وقد تقدم ، وهو لا يتناول الوصية ، والأولوية المذكورة لا تفيد الحكم المتنازع وأصل الخلاف واقع في المؤخر أيضا ، كما سيأتي ان شاء الله تعالى.
أقول : ويدل على ذلك ما رواه العباس بن عامر في الصحيح (١) قال : «سألته عن رجل أوصى له بوصية فمات قبل أن يقبضها ، ولم يترك عقبا؟ قال : أطلب له وارثا أو مولى فادفعها اليه ، قلت : فان لم أعلم له وليا ، قال : اجهد على أن تقدر له على ولي فان لم تجده وعلم الله منك الجد فتصدق بها» ، وهو صريح في المدعى كما ترى ، وهو أيضا طاهر فيما قدمنا ذكره من صحة الوصية أعم من أن يكون قبل أو لم يقبل ، وبذلك تظهر لك قوة القول الثاني ، وهو كون القبض ليس بشرط في ملك الوصية.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن من فروع الملك وعدمه عندهم رد الموصى له الوصية ، فإن وقع الرد بعد تحقق الملك لم يؤثر رده في إبطال الملك ، لأن الملك لا يزول باعراض صاحبه عنه.
__________________
(١) الكافي ج ٧ ص ١٣ ح ٣ ، الوسائل ج ١٣ ص ٤٠٩ ح ٢.