الثاني : المشهور بين الأصحاب (رحمهمالله) أن اجازة الوارث لازمة له سواء كانت في حال حياة الموصي أم بعد موته ، ونقل عن الشيخ المفيد وسلار وابن إدريس اختصاص اللزوم بما بعد الوفاة ، فلو أجاز في حال الحياة جاز له الرجوع عنها بعد الوفاة ، ويدل على القول المشهور ما تقدم من صحيحة محمد بن مسلم (١) ، وبطريق آخر منصور بن حازم ، وهي صحيحة صريحة في أنهم لو أجازوا في حال الحياة لزمهم ذلك ، وليس لهم أن ينقضوا ذلك بعد الوفاة.
واستدل عليه في المختلف أيضا بجملة من الأدلة الاعتبارية ، وبعضها يصلح وجها للنص المذكور ، وبيان العلة فيه ، وبعضها يصلح للتأكيد.
ونقل المختلف عن ابن إدريس بأنه احتج بأنه أجازه فيما لا يستحقونه بعد فلا يلزمهم ذلك بحال ، ورد بأن المال الموصى به لا يخرج عن ملك الموصى أو الورثة ، لأنه إن برأ من مرضه فالمال له ، وان مات كان للورثة ، فإن كان للموصي فإنه قد أوصى ، وان كان للورثة فإنهم قد أجازوا ، ولأن المنع من نفوذ الزائد عن الثلث انما هو لحق الورثة ، فهو متحقق في حال الحياة ، فإذا أجازوا فقد أسقطوا حقهم.
وبالجملة فإنه مع قطع النظر عما ذكرناه من الجواب ، لا وجه لهذا الاحتجاج في مقابلة النص الصحيح الصريح ، وهل هو إلا الاجتهاد المحض في مقابلة النصوص وجرأة على أهل الخصوص.
قال في المسالك : ولا فرق على ذلك بين كون الوصية والإجازة حال صحة الموصي ومرضه المتصل بالموت وغيره ، لاشتراك الجميع في المقتضي ، والفرق بين اجازة الوارث حال الحياة ورده حيث لم يؤثر الثاني دون الأول ، أن الوصية مستمرة ببقاء الموصى عليها ، فيكون استدامتها كابتدائها بعد الرد ، فلا يؤثر ، بخلاف الرد بعد الموت ، لانقطاعه حينئذ ، وبخلاف الإجازة حال الحياة ، لأنها حق للوارث
__________________
(١) ص ٤٢١.