تقدم تحقيقه في غير مقام ، ولا سيما في كتب العبادات.
وبذلك يظهر لك ما في قوله «انا لا نسلم أنه لو أوصى للكافر من حيث انه كافر لكانت الوصية باطلة» ، فإن فيه ما عرفت من أنه لا منافاة بين إنفاذ الوصية بعد وقوعها ، وعدم جواز الوصية له ، ومحل البحث إنما هو جواز الوصية ، وقد دلت الأخبار التي سردناها على عدم جواز صلة الكافر ، والوصية من جملة ذلك ، فلا يجوز حينئذ ، ولكن بعد وقوعها وإن أثم الموصي بذلك لا تجوز مخالفته لمقتضى الأخبار المذكورة المعتضدة بالآية الدالة على النهي عن التبديل والمخالفة لما أوصى به.
واستدل للقول الثالث بما ورد من الحث على صلة الرحم مطلقا ، فيتناول الذمي ، ورد بأن ذلك غير مناف لما دل على صلة غيره.
أقول : هذا الجواب انما يتم لو دل الدليل على صلة غيره ممن هو محل البحث ، وأما على ما ذكرناه من عدم جواز ذلك كما عرفته ، فالقول المذكور وما علل به جيد لا بأس به ، إلا أنه يمكن أن يقال : انه قد تعارض هنا عمومان : أحدهما ـ ما دل على صلة الرحم متدينا كان أو غيره ، وثانيهما ـ ما دل على المنع من صلة الكافر مطلقا رحما كان أو غيره ، كما عرفت من الأخبار التي ذكرناها ، وتخصيص أحد العمومين بالآخر يحتاج الى دليل ، ومن ذلك يظهر أن الأظهر هو القول بالمنع مطلقا ، ويؤيده أنه الأحوط من هذه الأقوال ، والاحتياط أحد المرجحات الشرعية في مقام التعارض بين الأدلة ، هذا بالنسبة إلى الذمي.
وأما الحربي والمراد به ما هو أعم من الوثني أو الذمي الذي لا يقوم بشرائط الذمة ، والظاهر أن المشهور بينهم هو عدم صحة الوصية له ، واستدل عليه بقوله تعالى (١) «إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ» الآية ، والحربي ناصب نفسه لذلك.
__________________
(١) سورة الممتحنة ـ الاية ٩.