وظاهر الخبر المذكور أنه لو أوصى بأكثر من الثلث ولو بالمال كله قبل وجود الوارث ، ثم تجدد له وارث ، ولم يعدل الموصي عن الوصية الى أن مات ، فإنه يجب العمل بتلك الوصية ، ويحرم الوارث من المال الموصى به ، وهو حكم غريب وفرع عجيب لم أقف على من نبه عليه ، ولا تنبه اليه.
وربما يقال : ان أدلة الإرث كتابا وسنة يقتضي وجوب رد ما زاد على الثلث الى الوارث ، إلا أنه يمكن القدح فيه ، بأن تلك الأدلة مطلقة ، وهذا الخبر خاص بصورة الوصية بالمال وتقدمها على وجود الوارث ، والقاعدة تقتضي تقديم العمل به ، سيما مع صحة الخبر باصطلاحهم ، وكيف كان فالخبر المذكور ظاهر فيما دلت عليه رواية السكوني من صحة الوصية بالمال كله مع عدم وجود الوارث ، فالقول بذلك متعين. وفاقا لما قدمنا ذكره عن أصحابنا.
وقال في الدروس بعد ذكر استحباب إقلال الوصية : وأن الخمس أفضل من الربع ، والربع أفضل من الثلث : وقال علي بن بابويه : إذا أوصى بماله كله فهو أعلم ، ويلزم الوصي إنفاذه لرواية عمار (١) «ان أوصى به كله فهو جائز له ، وحملها الشيخ على من لا وارث له ، فجوز الوصية بجميع المال لمن لا وارث له ، وهو فتوى الصدوق وابن الجنيد لرواية السكوني ، ومنع الشيخ في الخلاف من الزيادة على الثلث مطلقا ، وهو مختار ابن إدريس والفاضل ، انتهى.
أقول : ظاهر كلام شيخنا المذكور هو التوقف في المسئلة حيث اقتصر على نقل الخلاف الذي فيها ، ولم يرجح شيئا من القولين ، ولا طعن في أحد الجانبين وأما ما نقله عن الشيخ علي بن بابويه فقد تقدم الكلام فيه ، وبينا أن مستنده في ما ذكره من الحكم المذكور انما هو كتاب الفقه الرضوي ، فإن عبارته هنا عين عبارة الكتاب كما أوضحناه في جملة من الأبواب ، ولكنهم خفي عليهم ذلك استدلوا له بهذه الرواية ، والله العالم.
__________________
(١) التهذيب ج ٩ ص ١٨٧ ح ٧٥٣ ، الوسائل ج ١٣ ص ٣٨٢ ح ٥.