بيت التوحيد الذي آمن بالله عزوجل ، فلم يشرك به ، ولم يسجد إلى غيره ، وفي شرح قوله هذا يقول ابن أبي الحديد : (ومراده هاهنا بالولادة على الفطرة : أنَّه لم يولد في الجاهلية ، لأنَّه ولد عليهالسلام لثلاثين عاماً مضت من عام الفيل ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أرسل لأربعين سنة مضت من عام الفيل ، وقد جاء في الأخبار الصحيحة أنَّه صلىاللهعليهوآلهوسلم مكث قبل الرسالة سنين عشراً ، يسمع الصوت ، ويرى الضوء ، ولا يخاطبه أحد ، وكان ذلك إرهاصاً لرسالته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فحُكم السنين العشر حكم أيام رسالته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فالمولود فيها إذا كان في حجره ، وهو المتولي لتربيته ، مولود في أيام كأيام النبوة ، وليس بمولود في جاهلية محضة ففارقت حاله حال من يُدَّعى له من الصحابة مماثلته في الفضل.
قد روي أنَّ السنة التي وُلد فيها عليهالسلام ، هي السنة التي بُدئَ فيها برسالة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأُسمع الهتاف من الأحجار ، ومن السماء ، وكشف عن بصره ، فشاهد أنواراً ، وأشخاصاً ، ولم يخاطب فيها بشئ.
وهذه السنة هي السنة التي ابتدأ فيها بالتبتل والانقطاع والعزلة في جبل حراء ، فلم يزل به حتى كوشف بالرسالة ، واُنزل عليه الوحي ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يتيمَّن بتلك السنة ، وبولادة علي عليهالسلام فيها ، ويسميها سنة الخير ، وسنة البركة ، وقال لأهله ليلة ولادته ـ وفيها شاهد ما شاهد من الكرامات ، والقدرة الإلهية ، ولم يكن من قبلها شاهد من ذلك شيئاً ـ : «لقد ولد لنا الليلة مولود يفتح الله علينا به أبواباً كثيرة من النعمة والرحمة» (١).
فمن ولد من أب موحّد ، ومن سلالة من الموحدين المتألهين ، وكانت ولادته في الكعبة المقدسة ، وفي مثل الظروف التي وصفها ابن أبي الحديد ، حريٌّ أن
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ٤ / ١١٤.