يراد بها ، أو أترك سدى؟!. أو أهمل عابثا؟!. أو أجرّ حبل الضلالة؟!. أو أعتسف طريق المتاهة؟!.» (١).
هذه هي دنيا أمير المؤمنين عليهالسلام اكتفى من بهارجها ، وملذاتها ، ونعيمها الزائلئ بطمرين : إزار ورداء يكسوانه ، ويستران بدنه الطاهر وقد رقع مدرعته ـ أي إزاره ـ حتى استحيا من راقعها ـ على ما روي عنه ، واكتفى من الطعام بقرصين من خبز الشعير الذي لم ينخل دقيقه ، يأتدم معهما بقليل من ملح أو لبن. قال رجل من أصحابه : (مضيت معه إلى منزله ، فنادى : يا فضة ، فجاءت خادم سوداء ، فقال : غدينا. فجاءت بأرغفة ، وبجرة فيها لبن ، فصبتها في صحفة ، وثردت الخبر ، فإذا فيه نخالة ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، لو أمرت بالدقيق فنخل ، فبكى ، ثم قال : والله ما علمت أنَّه كان في بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم منخل قط) (٢).
أمّا مسكنه : فإنَّه عليهالسلام كان في المدينة المنورة يسكن في دار رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، التي بناها مع المسجد من الطين والحجارة ، وكان سقفها من سعف النخيل والطين ، أفرد لكل واحدة من أزواجه بيتا منها ، وجعل لعلي عليهالسلام بيتا كان يسكن فيه ، وفيه تزوج من البضعة الطاهرة عليهاالسلام ، ولم يخرج منه إلّا عندما غادر المدينة متوجهاً إلى حرب الجمل ، بعد رجوع الخلافة إليه ، ولم يبن في المدينة غيره.
وعندما أقام في الكوفة بعد انصرافه من حرب الجمل ، واتخذها عاصمة للدولة الإسلامية ، لم يسكن قصر الإمارة ، ولم يشتر في الكوفة داراً ، ولم يبن فيها ، بل سكن في دار ابن أخته جعدة بن هبيرة المخزومي قرب المسجد.
قال أبو نعيم : سمعت سفيان يقول : ما بنى عليّ آخرة على آجرة ولا لبنة على
__________________
(١) نهج البلاغة ٣ / ٧١.
(٢) أنساب الأشراف ١٨٧.