طلب منه أكثر مما يستحق من بيت المال ، وألح في المسألة ، فقدم له حديدة محماة ، ليشعره أن طلبه يؤدي إلى نار جهنم ، وعذابها الذي أعده الله تعالى لمن يتعدى على حقوق الناس.
ولم تختلف أقواله ، لأنَّه لا ينطق إلّا بكلمة الحق ، التي فيها رضى الله عزوجل ، وما تتضمن من الدعوة إليه ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وبث تعليمات الشريعة ، وأحكامها ، وآدابها ، يرشد الناس لما فيه الخير والصلاح في النشأتين ، وليس هو ممن يطلق العنان للسانه ، ليتفوه بدون تفكير ، تبعاً لهوى النفس ، بل يطبق على نفسه ما جاء في إرشاداته ، حيث يقول : «لسان العاقل من وراء قلبه» ، لذلك لم تؤثر فيه ملابسات الظروف المختلفة التي أحاطت به في مختلف أدوار حياته ، بل بقيت كلمة الحق لا تفارق شفتيه ما دام حياً ، وهذا نهج البلاغة وغيره من الكتب التي نقلت أقواله : من خطب ، ورسائل ، وحكم ، ووصايا ، كلها شواهد صدق على أنَّ أقواله لم تختلف.
ولنا أن نعطف على ما سبق ، ما نقله التأريخ من نصائحه لولاة الأمر من الخلفاء الذين سبقوه ، وما حاسب به ولاته وعماله ، وما يلاحظ فيها من استعمال نفس اللهجة من الإعتراض ، والمحاسبة ، والتوجيه ، والتقويم ، لأنَّه يرشد إلى الحق ، واتباع سبيل الرشاد ، والحق واضح وجلي ، والإنحراف عنه لا يختلف من زمن لآخر ، ولا من فرد لآخر ، وإن اختلفت درجة الإنحراف.
وقد اتخذ الإمام علي عليهالسلام لنفسه نهجاً واحداً ، ألزم نفسه بالسير عليه في مختلف أدوار حياته ، بتحمله مسؤولية الدعوة وأعبائها ، والجهاد في سبيل الله بكل وسيلة ، والزهد في مفاتن هذه الدنيا وبهارجها ، والعمل على إسعاد المعوزين ، ولم يأل جهداً في إصلاح الناس بشتى الوسائل ، لذلك لم تتقلب أحواله.