وللحديث صورة أخرى رواها عروة بن الزبير ، وهي : أنّ العباس بن عبد المطلب ، وشيبة بن عثمان ، أسلما ، ولم يهاجرا ، فقام العباس على سقايته ، وشيبة على حجابته ، فقال العباس لعلي بن أبي طالب : أنا أفضل منك ، أنا ساقي بيت الله ـ وكان بينهما كلام ـ فأنزل الله تعالى فيما تنازعا فيه : (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ)(١).
ويؤخذ على هذه الرواية أنَّ من المعروف لدى المؤرخين أنَّ شيبة ، إمّا أن يكون قد أعلن إسلامه مكرهاً في فتح مكة ، وقد حاول اغتيال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم حنين ، فلم يفلح ، وقد هداه الله لما رآه من كرامة ، وإنَّه لم يسلم إلّا عند ذلك ، وهذا يعني أنَّه خرج مشركاً مع من خرج من المشركين إلى حنين. قال ابن عساكر : شهد حنيناً مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مشركاً (٢).
وصورة ثالثة مروية عن ابن عباس في نزولها في علي والعباس عليهماالسلام خاصة ، قال : قال العباس بن عبد المطلب حين اُسر يوم بدر : لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام ، والهجرة ، والجهاد ، لقد كنا نعمر المسجد الحرام ، ونسقي الحاج ، ونفك العاني ، فأنزل الله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) إلى قوله : (الظَّالِمِينَ)(٣). يعني أنَّ ذلك كان في الشرك ، ولا أقبل ما كان في الشرك (٤).
وفي رواية ابن سيرين ، قال : قدم علي بن أبي طالب من المدينة إلى مكة ، فقال للعباس : يا عم ، ألا تهاجر؟! ألا تلحق برسول الله؟!. فقال : أعمِّر البيت ،
__________________
(١) شواهد التنزيل ١ / ٣٢٤.
(٢) تاريخ مدينة دمشق ٢٣ / ٢٤٩.
(٣) أسباب النزول ١٦٤ ، الدر المنثور ٣ / ٢١٨ ، لباب النقول ١٠٢.
(٤) جامع البيان ١٠ / ٢١٨.