وقد أقره النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على هذا القول ، كما أقره على كل ما جاء في شعره ، إذ قال له ـ بعد ما انتهى من إنشاده ـ : «ما تزال يا حسان مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك (١)».
ـ ٩ ـ
الظروف التي خطب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيها خطبته تلك ، حيث جمع الناس عند الظهيرة ، وتحت وطأة الشمس ، وعلى تلك الأرض الملتهبة بأشعتها ، ثمَّ يأمر السابقين بالرجوع ، والمتأخرين بأن يلحقوا ، ليحضر الجميع ويسمعوا ، ثمَّ أمرهم أن يبلّغوا ما سمعوا منه من لم يحضر ذلك الاجتماع ، كل ذلك يُبيِّن لنا أهمية ما اُمر بتبليغه ، وإذا أضفنا إلى ما تقدم أنَّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أعلَمَ الناس بدنو أجله ، وأنَّ الخطبة كانت قبل وفاته بشهرين وعدة أيام ، اتضح لنا مراده منها.
والذي يفهم من كلِّ هذه الإمارات ، أنَّه كان يتخذ من ذلك الاجتماع الحاشد فرصة ، ليعهد عهده بإعلان من يخلفه لقيادة هذه المسيرة التي بدأها ، وقام بقيادتها خير قيام ، لذا نراه يبدأ بالإقرار بأصول العقيدة ، ثمَّ يأخذ الإقرار منهم بذلك ، ويذكرهم الحساب ، والجنة ، والنار ، والمسؤولية أمام الحكم العدل ، وليس أمام الإنسان وهو يودع أودّاءه ، وأصحابه ، وأتباعه ، وهو يعلم أنَّ هذا اللقاء هو اللقاء الأخير ا لذي لا اجتماع مثله في هذه الدنيا إلّا أن يعهد عهده.
ـ ١٠ ـ
كانت البيعة للإمام علي عليهالسلام خاتمة ما حدث يوم الغدير ، وقد بدأها عمر بن الخطاب ، حيث تقدم إيه قائلاً : «بخ .. بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت
__________________
(١) الغدير ٢ / ٣٤.