كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يرغب في أن يعمل على خلق ظروف ملائمة لإعلان الولاية ، ويخشى أن يؤدي الإسراع في تبليغها إلى إثارة الفتنة ولكن الإرادة الإلهية كانت في غاية الصرامة ، فتضمن الأمر بالتبليغ موقفاً حدِّياً ، لا مجال فيه للتأخير ، ولا فسحة فيه في الوقت ، إذ تضمّن إنذاراً : (وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)، فلا بد من المبادرة ، إذ لا خيار سواها ، وقد جاء الأمر بالتبليغ مشغوعاً بضمان من الله عزوجل : (وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).
فليس سوى التبليغ في ذلك الموقف ، إذ لا تردد ، ولا حرج في تنفيذ إرادة الله عزوجل ، وتبليغ أوامره ، وهو العاصم الذي يتكفل منع حدوث الفتنة ، أو إماتتها بعد حدوثها ، لذلك جمع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الناس في غدير خم على الثرى المنصهر ، وتحت أشعة الشمس المحرقة ، ليصدع بأمر الله عزوجل ، وليكون نزول الآية ، وجمع الناس في تلك الظروف إمارة على أهمية ما يراد تبليغه ، وهو كاف لردع من يريدون الفتنة ، وكمِّ أفواههم عن إثارتها.
إنّ نزول الآية في غدير خم مروي عن عدد من الصحابة ، وقد رواه عنهم جمع غفير من التابعين ، وأخذه عنهم المفسرون ، والحفاظ ، والمحدثون بأسانيد معتبرة ، دونتها كتب السنة ، وقد أحصى الحجة الأميني رواية نزولها في غدير خم عن ثلاثين مصدراً من كتب السنة الموثوقة في التفسير والحديث (١).
كما نقل الحجة الأميني ما جاء في المصادر من وجوه في تفسير قوله تعالى : (وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، وسبب نزولها ، وناقش تلك الوجوه مثبتاً عدم تناقضها مع تفسير الآية في غدير خم ، وإمكان الجمع بين مختلف الوجوه (٢) ، لذا
__________________
(١) الغدير ١ / ٢١٤ ـ ٢٢٣.
(٢) الغدير ١ / ٢٢٣.