لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك ، فارجع وراءك خير لك!. فأجابه : إنَّ قريشاَ تتحدث عنك أنَّك قلت : لا يدعوني أحدٌ إلى ثلاث إلّا أجبت إلى واحدة منها. قال عمرو : أجل. فدعاه علي عليهالسلام إلى الإسلام. فقال : دعْ عنك هذه. فدعاه إلى الرجوع بالجيش إلى مكة. فقال : إذاً تتحدث نساء قريش عنّي أنَّ غلاماً خدعني!. فدعاه إلى المبارزة. فقال : ما كنت أظن أنَّ أحداً من العرب يرومها منّي!.
فنزل عمرو عن فرسه ، وعقرها ، وضرب وجهها ، وتجاولا ، فعلت غبرة ، انجلت بمصرع عمرو ، ورأى الناس من الجيشين علياً عليهالسلام وهو جاثم على صدر عمرو ، يحز رأسه ، ففرّ الفرسان على أعقابهم ، وارتفعت أصوات المسلمين بالتكبير ، مؤذنة بالنصر.
عاد الإمام علي عليهالسلام وهو منتصر على العدو إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فاستقبله فرحاً مستبشراً ، وقال : «هذا أول النصر» ثمَّ قال : «ذهبت ريحهم ، ولا يغزوننا بعد اليوم ، نحن نغزوهم إن شاء الله». وقال لعلي عليهالسلام : «أبشر يا علي ، فلو وزن اليوم عملك بعمل أمة محمد ، لرجح عملك بعملهم ، وذلك أنَّه لم يبق بيت من بيوت المشركين إلّا وقد دخله وهن بقتل عمرو ، ولم يبق بيت من بيوت المسلمين إلّا وقد دخله عز بقتل عمرو» (١). وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة» (٢).
كان مقتل عمرو بن عبد ود حدثاً حاسماً ، له أثر كبير وخطير في نفوس المشركين واليهود ، بث اليأس في نفوسهم ، وأدركوا أنَّ عبور الخندق أمرٌ مستحيل ، وأنَّ مصير من يعبره مصير عمرو ، وإذا كان الأمر كذلك ، فهل يتعين عليهم أن
__________________
(١) شواهد التنزيل ٢ / ١٢.
(٢) تاريخ بغداد ١٣ / ١٩ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٤ ، المستدرك ٢ / ٣٢ ، المناقب ١٠٧.