ولا مجال للمقارنة بين الإمام علي عليهالسلام ، وبين معاوية لأنَّ كلّا منهما كان يتخذ نهجاً يغاير نهج الآخر ، ويعاكسه ، والفرق بينهما هو الفرق بين الحق والباطل ، فهما متباينان ، ومن ظنَّ خلاف ذلك وساوى بينهما ، فجعلهما نظيرين ، فإنَّه لا يميز بين الحق والباطل ، وهو ضال في ما أصدره من حكم ، ولم يهتد إلى الحق ، لأنَّ الإهتداء إلى الحق ، لا يتأتى لمن يصدر الأحكام اعتباطاً ، بل لابد من التدبر ، والتفكير ، والتحليل ، والمقارنة من أجل الوصول إلى معرفة الحق ، وإصدار الحكم فيه.
أوضح الإمام علي عليهالسلام الأسس التي يعتمدها في سيرته ، ولم يبقِ مجالاً للشك والتوهم ، فقد أبان للعالم أنَّه ليس ـ كما يظن البعض ـ ضعيف الرأي ، عاجزاً عن إدارة شؤون الخلافة ، وأنَّ من ذهب إلى هذا الرأي إمّا أن يجهل الحقيقة ، أو يتجاهلها ، فهو عليهالسلام يعبِّر عن نفسه بالحوَّل القلَّب ، فليس هو مغفلاً ، ولا تفوته حيلة للتوصل إلى أهدافه ، يرى سبل الوصول إليها عياناً ، ولكنه لا يسلك طريقاً يتنافى مع تقواه ، بل يلتزم بما يمليه عليه دينه القويم ، الذي يحجز بينه وبين ما يفعله غيره من الأعمال المنافية للدين ، من أجل الوصول إلى النزوات ، والنزعات الشخصية الرخيصة ، لأنَّه لا يضحي بدينه ، ولا يجعل دينه مطية للأهواء ، وهو سيد المتقين.
أما رقيق الدين ، الذي لا يتحرج من ارتكاب المآثم ، ولا يعرف طعم التقوى ، فإنَّه ينتهز الفرصة عندما تظهر أمامه الحيلة ، ويتعرف على وسائلها ، فيسلك سبلها الوعرة بدون تردد ، لأنَّه لا يرى مانعاً من ارتكاب أيَّة جريمة ، ما دامت تحقق له هدفاً ، يوصله إلى أهوائه ، وشهواته الفانية ، وقد صنفت الأحداث جميع خصوم الإمام علي عليهالسلام ، وأعدائه ضمن هذه الفصيلة ، حيث كشفوا أنفسهم ، بما ارتكبوا من الآثام ، فأبانوا عن واقعهم بالقول والفعل.