المحاولات اليائسة في إخفاء فضله ، بل على العكس نراهم ـ وهم يبذلون كل الجهود لإخفاء فضله ـ يعترفون بفضائله في أحلك الظروف ، وفي أشدها حاجة لإخفاء فضله ، ولننقل أنموذجين لذلك :
١ ـ روى ابن قتيبة ، قال : (وذكروا أنَّ رجلاً من هَمدان ، يقال له : برد ، قدم على معاوية ، فسمع عمرواً يقع في علي ، فقال له : يا عمرو ، إنَّ أشياخنا سمعوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «من كنت مولاه فعلي مولاه» ، فحق ذلك أم باطل؟!. فقال عمرو : حق ، وأنا أزيدك أنَّه ليس أحدٌ من صحابة رسول الله له مناقب مثل مناقب علي ، ففزع الفتى. فقال عمرو : إنَّه أفسدها بأمره في عثمان. قال برد : هل أمر ، أو قتل؟!. قال : لا ، ولكنه آوى ، ومنع. قال : فهل بايعه الناس عليها؟. قال : نعم. قال : فما أخرجك من بيعته؟!. قال : اتهامي إيّاه في عثمان. قال له : وأنت ـ أيضاً ـ اتهمت. قال : صدقت ، فيها خرجت إلى فلسطين. فرجع الفتى إلى قومه ، فقال : إنّا أتينا قوماً ، أخذنا الحجة عليهم من أفواههم. علي على الحق ، فاتبعوه) (١).
٢ ـ وروى ابن قتيبة ـ أيضاً ـ قال : (ذكروا أنَّ عبد الله بن أبي محجن الثقفي قدم على معاوية ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي أتيتك من عند الغبي الجبان البخيل ابن أبي طالب. فقال معاوية : لله أنت! أتدري ما قلت؟!. أما قولك : الغبي ، فوالله لو أنَّ ألسن الناس جمعت ، فجعلت لساناً واحداً ، لكفاها لسان علي. وأمّا قولك : إنَّه بخيل ، فوَالله لو كان له بيتان : أحدهما من تبر ، والآخر من تبن ، لأنفذ تبره قبل تبنه. فقال الثقفي : فعلام تقاتله إذاً؟!. قال : على دم عثمان ، وعلى هذا الخاتم ، الذي من جعله في يده ، جادت طينته ، وأطعم عياله ، وادَّخر لأهله. فضحك الثقفي ، ثم لحق بعلي ،
__________________
(١) الإمامة والسياسة.