كنت أوّل من فاء (١) يوم أحد ، فرأيت رجلا يقاتل مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم دونه. وأراه قال : يحميه ، فقلت : كن طلحة ، حيث فاتني ما فاتني ، قلت : يكون رجلا من قومي أحبّ إليّ. وبيني وبين المشركين (٢) رجلا لا أعرفه ، وأنا أقرب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم منه ، وهو يخطف المشي خطفا لا أخطفه. فإذا هو أبو عبيدة. فانتهينا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد كسرت رباعيّته وشجّ في وجهه ، وقد دخل في وجهه حلقتان من حلق المغفر. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : عليكما صاحبكما ، يريد طلحة وقد نزف. فلم نلتفت إلى قوله ، وذهبت لأنزع ذلك من وجهه. فقال أبو عبيدة : أقسمت عليك بحقّي لما تركتني. فتركته. فكره أن يتناولها بيده فيؤذي النّبيّ ، فأزمّ عليهما بفيه ، فاستخرج إحدى الحلقتين. ووقعت ثنيّته مع الحلقة. وذهبت لأصنع ما صنع ، فقال : أقسمت عليك بحقّي لما تركتني. ففعل ما فعل في المرّة الأولى ، فوقعت ثنيّته الأخرى مع الحلقة. فكان أبو عبيدة من أحسن النّاس هتما ، فأصلحنا من شأن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ثم أتينا طلحة في بعض تلك الجفار (٣) [٣٧ أ] ، فإذا بضع وسبعون ، أقلّ أو أكثر ، من بين طعنة ورمية وضربة ، وإذا قد قطعت إصبعه. فأصلحنا من شأنه.
وروى الواقديّ عن ابن أبي سبرة ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، عن أبي الحويرث ، عن نافع بن جبير قال : سمعت رجلا من المهاجرين يقول : شهدت أحدا ، فنظرت إلى النّبل يأتي من كلّ ناحية ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم وسطها ، كل ذلك يصرف عنه. ولقد رأيت عبد الله بن شهاب
__________________
(١) فاء : رجع ، وفاء إلى الأمر يفيء. (تاج العروس ١ / ٣٥٥) وفي نسخة شعيرة ٢٠٥ «ناء» وهو تصحيف لا معنى له هنا.
(٢) في الأصل ، ع : (المشرق). وأثبتنا عبارة ابن الملا ، ولعلّها الوجه.
(٣) الجفار : جمع جفر ، البئر الواسعة التي لم تطو. أو هي التي طوي بعضها ولم يطو بعض (تاج العروس ١٠ / ٤٤٨).