رأيه ، وفعل ما أشار به ، وأمر بالقلب فغوّرت ، وبنى حوضا وملأه ماء. وبني لرسول الله صلىاللهعليهوسلم عريش يكون فيه ، ومشى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم على موضع الوقعة ، فأرى أصحابه مصارع قريش ، يقول : هذا مصرع فلان ، وهذا مصرع فلان. قال : فما عدا واحدا منهم مصرعه ذلك.
ثم بعثت قريش فحزروا المسلمين (١). وكان فيهم فارسان : المقداد والزّبير. وأراد عتبة بن ربيعة ، وحكيم بن حزام قريشا على الرجوع فأبوا. وكان الّذي صمّم على القتال أبو جهل. فارتحلوا من الغد قاصدين نحو الماء. فلما [٨ ب] رآهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم مقبلين قال : اللهمّ هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك (٢) وتكذّب رسولك ، اللهمّ فنصرك الّذي وعدتني ، اللهمّ أحنهم (٣) الغداة. وقال صلىاللهعليهوسلم ـ وقد رأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل أحمر ـ إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب [الجمل] (٤) الأحمر ، إن يطيعوه يرشدوا.
وكان خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاريّ بعث إلى قريش ، حين مرّوا به ، بجزائر (٥) هديّة ، وقال : إن أحببتم أن نمدّكم بسلاح ورجال فعلنا. فأرسلوا إليه : أن وصلتك رحم ، قد قضيت الّذي ينبغي ، فلعمري لئن كنّا إنّما نقاتل النّاس فما بنا ضعف ، وإن كنّا إنّما نقاتل الله ، كما يزعم محمد ،
__________________
(١) حزر الشيء أو القوم : قدّر عددهم بالحدس والتخمين.
(٢) حادّه : غاضبه وعاداه.
(٣) أحنهم : من الحين وهو الموت والهلاك ، أي أمتهم وأهلكهم. وفي الأصل و (ح) (أحتفهم) كأنه فعل من الحتف ، وله وجه. ولكنّ الرواية ما أثبتناه كما في ع وأغلب كتب السيرة. (انظر سيرة ابن هشام ٤ / ٣٦).
(٤) سقطت من الأصل ، وأثبتناه من ع ، ح. والسيرة ٤ / ٣٦.
(٥) في ح : «حين مرّوا به ابنا له بجزائر هديّة» والجزائر : جمع جزور : البعير.