[١١٩ ب] رجل شابّ. فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة. فلما أن صلّيت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة ، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا ، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله منّا ، قد ضاقت عليّ نفسي ، وضاقت عليّ الأرض بما رحبت ، سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع : يا كعب بن مالك ، أبشر. فخررت ساجدا ، وعرفت أن قد جاء الفرج.
وآذن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بتوبة الله عليه ، حين صلّى صلاة الفجر. فذهب الناس يبشّروننا ، وذهب قبل صاحبيّ مبشّرون. وركض رجل إليّ فرسا ، وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل ، وكان الصّوت أسرع إليّ من الفرس. فلمّا جاءني الّذي سمعت صوته يبشّرني ، نزعت ثوبيّ وكسوتهما إيّاه ببشراه ، والله ما أملك غيرهما يومئذ. واستعرت ثوبين فلبستهما ، وانطلقت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فتلقّاني الناس فوجا فوجا يهنّئوني بالتّوبة ، يقولون : ليهنك توبة الله عليك. حتى دخلت المسجد ، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنّأني ، والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره ، ولا أنساها لطلحة. وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يبرق وجهه بالسّرور : «أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك». قلت : أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال : «لا ، بل من عند الله».
وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا بشّر ببشارة يبرق وجهه كأنّه قطعة قمر ، وكنّا نعرف ذلك منه. فلما جلست بين يديه قلت : يا رسول الله : إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى الرسول. قال : أمسك بعض مالك فهو خير لك. فقلت : فإنّي أمسك سهمي الّذي بخيبر. وقلت : يا رسول الله ، إنّ الله إنّما نجّاني بالصّدق ، وإنّ من توبتي أن لا أحدّث إلّا صدقا ما بقيت. فو الله ما أعلم أحدا من المسلمين ابتلاه الله تعالى في صدق الحديث أحسن ممّا ابتلاني ، ما تعمّدت مذ ذكرت ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم كذبا ، وإنّي لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي. وأنزل الله تعالى على رسوله : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى