اللذائذ ، وكلاهما لا يتّفقان مع الاعتقاد بالمعاد ويوم الحساب ، يقول سبحانه :
(وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ ، وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ... هَيْهاتَ ، هَيْهاتَ ، لِما تُوعَدُونَ* إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا ، نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (١).
فالآية الأولى تشير إلى باعثين من بواعث الإنكار ، بينهما صلة قوية ، ولذلك أدمجناهما وجعلناهما باعثا واحدا ، أحدهما باعث نفسي هو الإتراف والتّمتّع بأسباب الشهوات ، والآخر باعث سياسي ، هو ما كان للمنكرين من علية القوم وأشرافهم من تسلّط على أقوامهم فانكروا المعاد لئلا تتزعزع عروش سلطتهم بانتشار هذه العقيدة بين أتباعهم ومرءوسيهم ، فكانوا يدعون الناس إلى إنكار المعاد ويقولون : (هَيْهاتَ ، هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ).
الباعث الثالث ـ التكذيب بالحق
إنّ هناك آيات تعرب عن أنّ المنكرين ، من أول يوم واجهوا فيه دعوة الرسل ، أنكروها ولم يعتنقوها ، فجرّهم ذلك إلى إنكار المعارف كلّها وبالأخص المعاد ، وحشر الإنسان في النشأة الأخرى.
نعم ، لا ينفك عنادهم أمام الأنبياء عن علّة نفسية أو اجتماعية أو سياسية ، جرّتهم إلى اتّخاذ ذلك الموقف السلبي في بدء الدعوة في كلّ ما يقوله الأنبياء ويدعون إليه ، وإن كان بعضه موافقا لطبعهم وشعورهم والذكر الحكيم يشير إلى هذا الباعث بقوله حاكيا عنهم :
(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً؟! ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ* قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ* بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) (٢).
__________________
(١) سورة المؤمنون : الآيات ٣٣ و ٣٦ و ٣٧.
(٢) سورة ق : الآيات ٣ ـ ٥.