أنّ المؤمن لا يخلد في النار وإنما كتب الخلود على الكافر ، فلا مانع من أن يعاقب مدّة ثم يخرج فيثاب.
وعلى هذا فلا دليل على وجوب قبول التوبة على الله سبحانه ، بل قبولها تفضّل وكرم منه سبحانه.
قال الطبرسي في تفسير قوله سبحانه : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (١). قال : «ووصفه بالرحيم عقيب التوّاب يدل على أنّ إسقاط العقاب بعد التوبة تفضّل منه سبحانه ورحمة من جهته ، على ما قاله أصحابنا ، وإنّه غير واجب عقلا على خلاف ما ذهب إليه المعتزلة» (٢).
نعم ، هذا إذا لوحظ قبول التوبة من حيث هو هو ، وأما إذا لوحظ بعد ما وعده سبحانه بقبول توبة التائب ، فالوجوب لا محيص عنه ، لأنّ خلف الوعد قبيح ، من غير فرق بين الواجب والممكن ، وقد أوضحنا لك معنى كون شيء واجبا على الله سبحانه ، وأنّه لا يراد منه تكليف الله سبحانه ، بل أنّ العقل يكشف حكما عاما سائدا على الواجب والممكن ، وهو أنّ الحكيم لا يفعل القبيح ، لما فيه من المبادي الرافضة لارتكابه فيكون وجوب قبول التوبة سمعيا لا عقليا.
الأمر الثامن ـ هل يجب في التوبة ، الندم على القبيح؟
الظاهر من غير واحد من المحققين أنّ التوبة تتقوم بالندم على القبيح لقبحه ، وإلا فلو ندم لأجل إضرارها بالبدن أو إخلالها بعرضه أو ماله أو لغرض آخر ، لا يكون تائبا.
وهذا كلام متين ، فإنّ التوبة عبارة عن رجوع العبد إلى الله سبحانه ، وهذا لا يتحقق إلا بأن يكون رجوعه لاستشعاره قبح عمله ، وأنّه كان عدوانا على الله
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ١٦٠.
(٢) مجمع البيان ، ج ١ ، ص ٢٤٢.