وجرأة على المولى ، وأما من ترك شرب الخمر لا بهذا الاعتقاد بل لأجل صيانة بدنه عن مضارها ، فلا تكون توبة منه إلى الله.
إنما الكلام إذا تاب عن عمله لأجل الخوف من عقابه سبحانه ، فقد ذهب المحقق الطوسي وتبعه العلامة الحلّي ، إلى أنّه لو كانت الغاية من التوبة هي الخوف من النار بحيث لو لا خوف النار لم يتب ، فلا يصدق عليها أنّها توبة.
قال العلامة الحلي : «فإن كانت التوبة خوفا من النار أو من فوات الجنة ، لم تصح توبته ، وهذا نظير ما لو اعتذر المسيء إلى المظلوم لا لأجل إساءته بل لخوفه من عقوبة السلطان ، فإن العقلاء لا يقبلون عذره» (١).
يلاحظ عليه : إنّ التكاليف الإلهية متوجهة إلى عموم الناس ، من غير فرق بين التكليف بالصلاة والصوم أو التكليف بالتوبة. ومن المعلوم أنّ الأكثرية الساحقة لا يقومون بالفعل لحسنه بالذات ، ولا يتركونه لكونه قبيحا كذلك ، بل الفعل والترك يقومان على أساس الرغب والرهب ، والطمع بالجنّة والخوف من النار.
وعلى ذلك فالآيات الواردة حول التوبة المقترنة بالثواب تارة والخلاص من النار أخرى ، تعرب عن أنّ التوبة إذا حصلت لإحدى هاتين الغايتين ، كفى ذلك في سقوط العقاب ، يقول سبحانه ـ حاكيا قول هود عليهالسلام ـ : (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) (٢).
ويقول تعالى : (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ، وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) (٣).
وفي الدعاء الذي علمه علي عليهالسلام كميل بن زياد ، إيعاز ، إلى ذلك : يقول : «اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم ، اللهم اغفر لي
__________________
(١) كشف المراد ، ص ٢٤٦ ، ط صيدا ، بتصرف.
(٢) سورة هود : الآية ٥٢.
(٣) سورة هود : الآية ٣.