٥ ـ مشهد الميزان
إنّ هؤلاء الشهود الكثيرون يكفون في مقام القضاء وإتمام الحجة ، غير أنّه سبحانه ، لا يكتفي بهم ، كما لا يكتفي بصحائف الأعمال التي ضبطت فيها جميع أفعال العبد جليلها ، ودقيقها ، بل يجسد وضع الإنسان بتوزين أعماله بالميزان الذي يضعه يوم القيامة.
يقول سبحانه : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ، وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) (١).
والناس بين ثقيل الميزان وخفيفه يقول سبحانه : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) (٢).
غير أنّ الكلام في تبيين حقيقة هذا الميزان الذي توزن به الأعمال ، فهل هو كهذه الموازين الحسية الموضوعة فوق مناضد البقالين والعطارين ، أو شيء غيرها ، فنقول :
لا شك أنّ النشأة الآخرة ، أكمل من هذه النشأة ، وأنّه لا طريق لتفهيم الإنسان حقائق ذاك العالم وغيوبه المستورة عنّا ، إلّا باستخدام الألفاظ التي يستعملها الإنسان في الأمور الحسية. وعلى ذلك ، فلا وجه لحمل الميزان على الميزان المتعارف خصوصا بعد استعمال الميزان في القرآن في غير هذا الميزان المحسوس.
الميزان في اللغة اسم آلة يوزن بها الشيء ، يقول سبحانه : (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) (٣) ، فالله سبحانه يخبر فيها عن رفع السماء وخلقها مرفوعة ، كما يخبر عن أنّه وضع لكل شيء ميزانا يقدّر به ، من غير فرق بين أن يكون جسما أو قولا أو فعلا أو عقيدة ، فلكلّ شيء ميزان يميّز به الحقّ من
__________________
(١) سورة الأنبياء : الآية ٤٧.
(٢) سورة الأعراف : الآيتان ٨ و ٩.
(٣) سورة الرحمن : الآية ٧.