وفي الختام نشير إلى أمرين :
الأول : إنّ بعض السلف ، اغترارا بالظواهر ، ذهب إلى أنّ الميزان له كفّتان ولسان وساقان. وهو تعبّد بالظاهر وتعطيل للتعقل والتدبّر في نفس القرآن الكريم. بل الأولى لهم أن يقولوا : الميزان عبارة عمّا يعرف به مقادير الأعمال وليس علينا البحث عن كيفيته بل نؤمن به ونفوض كيفيته إلى الله تعالى ، كما قال المحقق الدواني (١).
الثاني : المنقول عن المعتزلة (٢) أنّهم ينكرون الميزان قائلين بأنّ الأعمال أعراض وقد عدمت ، فلا يمكن إعادتها. وعلى تقدير إعادتها ، لا يمكن وزنها ، وعلى تقدير إمكانه ، مقاديرها معلومة له تعالى فوزنها عبث.
يلاحظ عليه : لو صحّت النسبة ، فإنّما يرد لو كان المراد من الميزان هو ما نقل عن بعض السلف. وأمّا على ما عرفت من التطور في الميزان فالشبهة مندفعة. وأمّا القول بأنّها معلومة ، فالحكمة في التوزين مثل الحكمة في الحساب ، الذي لا شبهة فيه.
* * *
٦ ـ الصراط
الصراط في اللغة هو الطريق ، ويغلب استعماله على الطريق الذي يوصل
__________________
(١) شرح العقائد العضدية ، ج ٢ ، ص ٢٦٤.
(٢) وهذه النسبة التي ذكرها المحقق الدواني في شرح العقائد العضدية غير صحيحة. قال القاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة : فإن قالوا : وأي فائدة في وضع الموازين التي أثبتموها ، ومعلوم أنّه إنّما يوضع ليوزن به الشيء ، ولا شيء هناك يدخله الوزن ويتأتى فيه ، فإنّ أعمال العباد وطاعاتهم ومعاصيهم أعراض لا يتصور فيها الوزن. قيل له : ليس يمتنع أن يجعل الله تعالى النور علما للطاعة ، والظلم أمارة للمعصية. ثم يجعل النور في إحدى الكفتين ، والظلم في الكفّة الأخرى ، فإن ترجحت كفّة النور حكم لصاحبه بالثواب ، وإن ترجحت الأخرى حكم له بالأخرى ... إلى آخر كلامه ... (شرح الأصول الخمسة ، ص ٧٣٥) نعم ، القاضي يتخيل أنّ المراد من الميزان هو المتعارف بيننا ، وقد عرفت ما في ذلك.