عن وضع ميزان للأعمال النفسانية والبدنية ، المعبّر عنها بالحسنات والسيئات بما أحدثته في الأنفس من الأخلاق والصفات ، والنقل والعقل متفقان على أنّ الجزاء إنّما يكون بصفات النفس الثابتة ، لا بمجرد ما كان سببا لها من الحركات والأعراض الزائدة» (١).
وبما قدمنا يندفع عمدة ما أشكل على المتقدمين من المتكلمين في توزين الأعمال من أنّ العمل عرض غير باق ، فكيف يمكن توزينه في الآخرة؟.
فبعد إمكان توزين الحرارة والبرودة ، والضغط والرطوبة ، وغيرها من الأعراض الزائلة ، بل توزين الطاقة والحركة والعمل التي هي الوجه الآخر للمادة ، إذ ليست هي إلّا المادة المستهلكة ، وهي توزن بالآلات وتقاس ، فيقال إن لهذا المحرك جهد كذا من الأحصنة ، وغير ذلك من الأقيسة ، فبعد إمكان وزن الأعراض وعمل الآلات ، ألا يمكن وزن عمل الإنسان في الآخرة بوجه من الوجوه؟.
هذا كله حول الميزان في النشأة الأخرى ، واعلم أنّه سبحانه لم يترك الإنسان سدى ، بل جعل لتشخيص صحة عقائده وأخلاقه وأعماله ، موازين كالكتاب والسنّة والعقل ، قال الإمام الباقر عليهالسلام لأحد أصحابه : «أعرض نفسك على ما في كتاب الله ، فإن كنت سالكا سبيله ، زاهدا في تزهيده ، راغبا في ترغيبه ، خائفا من تخويفه ، فاثبت وأبشر ، فإنّه لا يضرك ما قيل فيك ، وإن كنت مبائنا للقرآن ، فما ذا الذي يغرّك من نفسك؟» (٢).
وعلى ضوء هذا ، فالقرآن ميزان ، كما أنّ النبي ميزان ، والإمام المعصوم ميزان ، فلا غرو من أن نزور عليا ونقول :
«السلام على يعسوب الإيمان وميزان الأعمال ، وسيف ذي الجلال» (٣).
__________________
(١) المنار ، ج ٨ ، ٣٢٣.
(٢) البحار ، ج ٧٨ ، باب وصايا الباقر عليهالسلام ، ص ١٦٢.
(٣) مستدرك الوسائل ، ج ٢ ، ص ١٩٧.