لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) (١).
وبما أنّ توزين الأعمال بالموازين القسط ، من الأمور الغيبية التي لا يقف عليها الإنسان إلّا بخرق الحجب وحضور ذلك المشهد ، يعسّر تبيين حقيقته ، والذي يمكن أن يقال إنّه ليس من قبيل هذه الموازين الحسية التي توزن بها الأجسام الثقيلة وغيرها. وما ذكر له من التفاسير لا يتجاوز حدّ الاحتمال.
يقول صدر المتألهين : «وأمّا القول في ميزان الأعمال ، فاعلم أنّ لكل عمل من الأعمال البدنية ، تأثيرا في النفس فإن كان من باب الحسنات والطاعات ، كالصلاة والصيام والحج والزكاة والجهاد ، وغيرها ، فله تأثير في تنوير النفس وتخليصها من أسر الشهوات وجذبها من الدنيا إلى الأخرى ، ومن المنزل الأدنى إلى المحل الأعلى ، وكذلك فلكل عمل حق مقدار معين من التأثير في التنوير والتهذيب. وإذا تضاعفت وتكثّرت الحسنات ، فبقدر تكثرها وتضاعفها ، يزداد مقدار التأثير والتنوير.
وكذلك لكل عمل من الأعمال السيئة قدرا معينا من التأثير في إظلام جوهر النفس وتكديرها وتعليقها بالدنيا وشهواتها ، فإذا تضاعفت المعاصي والسيئات ، ازدادت الظلمة والتكثيف شدّة وقدرا ، وكل ذلك محجوب عن مشاهدة الخلق في الدنيا. وعند قيام الساعة وارتفاع الحجب ، ينكشف لهم حقيقة الأمر في ذلك ، ويصادف كل أحد مقدار سعيه وعمله ، ويرى رجحان إحدى كفتي ميزانه ، وقوة مرتبة نور طاعته أو ظلمة كفرانه» (٢).
وعلى هذه النظرية ، فليس هنا ميزان وراء انكشاف السرائر والملكات الحسنة والسيئة ، وغاية ما في الأمر أنّ الإنسان يقف بعد رفع الحجاب على قربه وبعده من الربّ ، وتتجسد له مرتبة نور طاعته أو ظلمة كفرانه.
ويقرب منه ما ذكره صاحب المنار ، قال : «إذا كان البشر قد اخترعوا موازين للأعراض كالحرّ والبرد ، أفيعجز الخالق البارئ القادر على كل شيء ،
__________________
(١) سورة الشورى : الآية ١٧.
(٢) الأسفار ، ج ٩ ، ص ٣٠٣ ـ ٣٠٤.