أولا : الإحباط
المعروف عن الإمامية ، والأشاعرة هو أنّه لا تحابط بين المعاصي والطاعات والثواب والعقاب ، والمعروف عن جماعة من المعتزلة ، كالجبائيّين وغيرهما هو التحابط (١).
قال التفتازاني : «لا خلاف في أنّ من آمن بعد الكفر والمعاصي فهو من أهل الجنة بمنزلة من لا معصية له ، ومن كفر بعد الإيمان والعمل الصالح ، فهو من أهل النار بمنزلة من لا حسنة له ، وإنما الكلام فيمن آمن وعمل صالحا وآخر سيئا ، واستمرّ على الطاعات والكبائر ، كما يشاهد من الناس ، فعندنا مآله إلى الجنة ولو بعد النار ، واستحقاقه للثواب والعقاب ، بمقتضى الوعد والوعيد ، من غير حبوط. والمشهور من مذهب المعتزلة أنّه من أهل الخلود في النار إذا مات قبل التوبة ، فأشكل عليهم الأمر في إيمانه وطاعته وما يثبت من استحقاقاته ، أين طارت؟ وكيف زالت؟ فقالوا بحبوط الطاعات ، ومالوا إلى أنّ السيئات يذهبن الحسنات» (٢).
أقول : اشتهر بين المتكلمين أنّ المعتزلة يقولون بالإحباط والتكفير ، وأما الأشاعرة والإمامية فهم يذهبون إلى خلافهم. غير أنّ هنا مشكلة ، وهي أن نفيهما على الإطلاق يخالف ما هو مسلّم عند المسلمين ، من أنّ الإيمان يكفّر الكفر ، ويدخل المؤمن الجنّة خالدا فيها ، وأنّ الكفر يحبط الإيمان ويخلد الكافر في النار. وهذا النوع من الإحباط والتكفير مما أصفقت عليه الأمّة ، ومع ذلك كيف يمكن نفيهما في مذهب الأشاعرة والإمامية؟ ولأجل ذلك ، يجب الدقة في فهم مرادهما من نفيهما على الإطلاق ، وسوف يتبين الحال في هذين المجالين ، وأنّ ما ينفونه منهما لا ينافي ظواهر الآيات والأخبار.
__________________
(١) أوائل المقالات ، ص ٥٧.
(٢) شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ٢٣٢ ، ويظهر من القاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة ، ص ٦٢٤ ، أن القول بالإحباط والتكفير خيرة مشايخ المعتزلة ، وإنما خالف منهم القليل مثل عبّاد بن سليمان الصيمري.