روى الشيخ الطوسي بإسناده عن أبي ذرّ عن النبي صلىاللهعليهوآله ، في وصيته له : «يا أبا ذرّ ، ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض ، إلّا شهدت له بها يوم القيامة» (١).
الشاهد العاشر : تجسم العمل بهويّته الأخروية
دلّ القرآن والأحاديث على أنّ لكل عمل يرتكبه الإنسان في هذه النشأة ، صورتين وظهورين وهويتين ، يتمثل بإحداهما في هذه النشأة ، وبالأخرى في النشأة الآخرة. فالصلاة في هذه الدنيا عبارة عن الأذكار والحركات ، وهي هويتها الدنيوية ، ولكنها لها في النشأة الأخروية ظهورا آخر. ومثله الأعمال الإجرامية ، فإنّ لكلّ منها صورتين ، يتمثّل بإحداهما في الدنيا ، وبالأخرى في الآخرة.
يقول سبحانه : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٢) ، وظاهر الآية هو مشاهدة نفس العمل. وتأويله بمشاهدة الجزاء ، على خلاف الظاهر ، والآيات الواردة في مجال تجسّم الأعمال كثيرة ، نكتفي بواحدة منها :
يقول سبحانه : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ ، فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (٣).
والآية تعرب عن تجسم الذهب والفضة الذي كنز بصورة النار المحمّاة ، بحيث يطلق عليها أنّها نفس ما كنزوه.
* * *
__________________
ـ ج ٣ ، ص ٤٧٤ ، كتاب الصلاة ، أبواب مكان المصلّي ، الباب ٤٢ ، الحديث ٩ ، وفي الباب روايات أخرى فلاحظها.
(١) المجالس والأخبار ، ص ٢١٦. نقله في الوسائل ، ج ٤ ، ص ٤٧٤ ، الحديث ٩.
(٢) سورة الزلزلة : الآيتان ٧ و ٨.
(٣) سورة التوبة : الآيتان ٣٤ و ٣٥.