ثم إنّ هناك قرائن تؤيّد كون المراد من قوله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) ، نكاح المتعة ، وهي :
١ ـ أنّ جماعة من عظماء الصحابة كعبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري وعمران بن حصين ، وابن مسعود وأبي بن كعب ، كانوا يفتون بإباحتها ، ويقرءون الآية هكذا : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) (إلى أجل مسمّى) ، (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ). وهذا صريح في نكاح المتعة ، ومن المعلوم ـ ولا يحتمل غيره ـ أن ليس مرادهم سقوط هذه الجملة من الذكر الحكيم ، بل المراد بيان معنى الآية على نحو التفسير الذي أخذوه من الصادع بالوحي ، ومن أنزل عليه ذلك الكتاب صلىاللهعليهوآله. ومن زعم أنّ هذه الجملة عند هؤلاء ، جزء القرآن فقد أخطأ.
٢ ـ إنّ الاستمتاع في الآية ظاهر في هذا النوع من الزواج ، وقد كان معروفا في صدر الإسلام بالمتعة والتمتع ، فلا بد أن يحمل على هذا النوع من النكاح ، لا على المعنى اللغوي الموجود في الزواج الدائم والمنقطع.
٣ ـ إنّ النكاح الدائم قد مرّ تشريعه في صدر السورة حيث قال تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (١) ولا وجه لتكراره. وتوهم أنّ وجه التكرار هو تبيين حكم صداقهن الوارد في قوله : (أُجُورَهُنَ) ، مدفوع بأنّه مرّ بيانه أيضا ، في صدر السورة ، عند قوله : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) (٢) ، بل جاء بيانه أيضا قبل هذه الآية بقليل ، في قوله تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) (٣).
ولا يصحّ جعل هذه الفقرة تأكيدا لقوله : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ) ، لأنّ الآية السابقة آكد بيانا من هذه الآية.
__________________
(١) سورة النساء : الآية ٣.
(٢) سورة النساء : الآية ٤.
(٣) سورة النساء : الآية ٢٠.