قولهم : يمتنع أن يكون المدرك لذلك جسما ، أو ما هو قائم بالجسم. ممنوع.
قولهم : لأنه يلزم أن يكون متجزئا.
لا نسلم ذلك. وما ذكروه فمبنى على أن المعلوم لا بد وأن يكون منطبعا فى المدرك وحالا فيه ، وهو غير مسلم على ما سبق فى الصفات (١).
وإن سلمنا أن العلم لا يكون إلا بانطباع صورة المعلوم فى المدرك ؛ ولكن لا نسلم أن انطباع ما لا يتجزأ فيما يتجزأ يكون موجبا لتجزؤ المنطبع (٢).
وما ذكروه فى تقريره ، فهو منتقض على أصلهم ؛ بالإضافة فإنها عرض موجود قائم بالجسم : كقيام الأبوة بذات الأب ، والبنوة بذات الابن. وذات الأب ، وذات الابن متجزئة ؛ لكونها جسما ، ونفس الإضافة وهى الأبوة غير متجزئة ؛ لتجزأ محلها ؛ فإنه لا يصح أن يقال إن الأبوة ذات أبعاض وكل بعض منها قائم ببعض من ذات الأب ، وكذلك فى البنوة بالنسبة إلى ذات الابن.
وكذلك فإن القوة الوهمية عندهم من القوى الجسمانية ، وهى مدركة من الصورة المحسوسة للذئب المعنى الموجب لنفرتها (٣) عن الذئب ؛ وهو غير محسوس ، ولا متجزئ وانطباعه عندهم فيما هو متجزئ.
وإن سلمنا امتناع انطباع ما لا يتجزأ فيما يتجزأ. فما المانع أن يكون الانطباع فى جزء من / / الجسم؟.
قولهم : كل جزء من الجسم متجزئ ، إلى غير النهاية فقد أبطلناه فيما تقدم.
قولهم : إنا نتعقل صورا مجردة عن الأوضاع ، والمقادير إلى آخر الحجة (٤) ؛ فهو مبنى على أن المدرك محل للشيء المدرك ، وليس كذلك كما تقدم تحقيقه (٥).
وإن سلمنا أنه محل له فما ذكروه إنما يستقيم بعد صحة الحصر فى الأقسام الثلاثة وما المانع من وجود قسم رابع وهو مما لا سبيل إلى الدلالة على نفيه؟
__________________
(١) راجع ما تقدم ل ٣ / ب من الجزء الأول.
(٢) راجع ما سبق ل ٣ / ب من الجزء الأول.
(٣) قارن بما ورد فى النجاة لابن سينا ص ١٥٩ وما بعدها ، ورسالة ابن سينا فى القوة الإنسانية ضمن تسع رسائل ص ٦ وما بعدها.
/ / أول ل ١١٨ / أمن النسخة ب.
(٤) راجع ما تقدم ل ٢٠٢ / ب.
(٥) راجع ما تقدم ل ٢٠٢ / ب. وفيه الرد على الشبهة الثانية للفلاسفة. [الحجة الثانية].